تصاعدت وتيرة العملية السياسية وتقلبت بين قرب التوصل الى صفقة لتبادل الأسرى واعلان الاحتلال عن قرب بدء عمليته البرية في مدينة رفح على الحدود المصرية الفلسطينية في محاولة لاسقاط الصفقة التي اعلنت حركة المقاومة عن قبولها.
تطور اعادت به المقاومة رسم المشهد وضبط ايقاعه بترحيل الضغط من على كاهلها الى كاهل الاحتلال الذي ان اعلنت قادته رفض الصفقة فانها تضع نفهسا وحليفها الامريكي في وضع حرج ون قبلتها فانها تعلن عن نهاية حربها وهزيمتها.
وضع لفهمه نبدأ من النظر الى عنصرين الاول بنود الصفقة التي كشفت عنها حركة حماس امس، وهي تتضمن ثلاثة مراحل يقول قادة حماس ان الوسطاء اكدوا على التزام الجانب الامريكي بها وتعهد بايدن بتنفيذها، هذه المراحل تتضمن في اول خطواتها انسحابا كاملا لجيش الاحتلال من محور نتساريم الى مناطق عند الحدود مع قطاع غزة والسماح بعودة النازحين دون قيود.
أما المرحلة الثانية فتتضمن إعلان الاحتلال بشكل مباشر عن وقف العمليات العسكرية والعدائية اما المرحلة الثالثة فنتنتهي بكسر الحصار كليا عن قطاع غزة، وكل مرحلة ستمتد على حوالي سبعة اسابيع 41 يوما، تتدرج فيها عملية تبادل الاسرى.
اعلان يعيد تشكيل المشهد برمته اذ استبقت المقاومة أية مناورات سياسية يقدم عليها الاحتلال او اية محاولات لتحميل الحركة مسؤولية فشل المفاوضات وتسويق ذلك على انه مبرر للتصعيد العسكري واجتياح رفح بريا، وهذا ما كانت تتجه اليه الآلة العسكرية والدعائية الصهيونية.
في الساعات الفارطة كشفت التطورات ان رئيس حكومة الاحتلال الذي تخفى خلف صفة «مسؤول سياسي كبير» ليسرب معلومات ومعطيات تنسف جهود الوسطاء، او في تصريحاته نهاية الاسبوع بان إجتياح رفح بوجود صفقة او دونها، وغيرها من الخطوات التصعيدة التي تكشف عن مسعى سياسي لاسقا الصفقة دون تحمل مسؤولية ذلك.
ما يخشاه رئيس الحكومة الصهيونية ان يكون اول ضحايا صفقة تبادل الاسرى، فحلفيه الرئيسيين في الحكومة يهددانه بالانسحاب منها ان قبل بالصفقة والضغط الامريكي والدولي واهل الاسرى والحراك المطالب بوقف الحرب يجبره على قبول الصفقة لتجنب اية تطورات سلبية.
وضعية تورط فيها رئيس حكومة الاحتلال ومن خلفه كامل الالة السياسية والعسكرية الصهيونية التي تواجه اسوء انقسام لها منذ 2006 في ظل تناقض مواقفها من الحرب ودفع جزء من المؤسسة الامنية والاستخباراتية والمعارضة الى ابرام الصفقة باعتبار ان التقارير الاستخباراتية اشارت منذ نهاية مارس الفارط الى ان الحرب على قطاع غزة بلغت طريقا مسدودا وذلك بعد التطورات الدولية وتعديل ابرز داعمي الاحتلال لمواقفهم جزئيا ورفض اية عملية عسكرية في رفح، مقابل الدفع الى ابرام صفقة تبادل اسرى.
صفقة تدفع في اتجاهها الولايات المتحدة الامركية التي غيرت المصطلحات التي تستخدمها لتسويق موقفها بالاشارة الى انها ترفض اي اجتياح بري لرفح دون خطة محكمة لاجلاء المدنيين قبل اعلان حماس عن قبولها للصفقة برعاية قطرية مصرية مساء امس وبين تصريحات مسؤولي وزارة الخارجية اثر ذلك بتاكيدهم ان المعطيات التي توفرت لهم من قبل الاحتلال لا تضمن سلامة المدنين وان ذلك حدد موقفهم من الاجتياج البري.
هنا يتضح ان الادارة الامريكية التي كشف الوسطاء انها ملتزمة بتنفيذ بنود الصفقة ستدفع في الساعات القادمة الاحتلال الصهيوني الى اعلان قبوله بصفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس تتضمن التزاما من سلطات الاحتلال بوقف إطلاق النار مؤقتا وعودة الفلسطينيين الى شمال قطاع غزة دون شروط وغيرها من بنود، والتي تعتبرها الأصوات المتطرفة في حكومة نتنياهو «هزيمة مذلة».
الهزيمة هي الوصف الذي سيلاحق حكومة اليمين المتطرف الصهيونية في الانتخابات القادمة، وهذا ما يفسر ضمنيا حرص «المصدر الكبير» على ان يسرب 444 مرة معطيات الى الاعلام الصهيوني وفق ما كشفه صحفي بقناة 12، التي تقدم رواية مختلفة عن ما كشفت عنه اذاعة جيش الاحتلال او القناة 14 المقربة من حزب الليكود ومن رئيس حكومة الاحتلال.
ما أعلنه جيش الاحتلال وهيئة البث ان العملية العسكرية في رفح انطلقت بإسقاط منشورات تطالب سكان المناطق الشمالية من المدينة الى اخلاء منازلهم والتوجه الى مناطق محددة بالاضافة الى تحذيرهم من التوجه او الاقتراب من الحدود المصرية.
منشورات أسقطت خلال الساعات الاولى من صباح يوم أمس الاثنين، في الوقت الذي اعلنت فيه الإدارة الامريكية على لسان عدد من مسؤوليها ومن بينهم مستشار الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الذي قال ان الرئيس جو بايدن أوضح لبنيامين نتنياهو ان «الصفقة أفضل وسيلة» لحفظ حياة اسرى الاحتلال لدى المقاومة وتجنب عملية عسكرية برفح تعترض عليها الإدارة الأمريكية.
فما تدفع اليه الإدارة الأمريكية ودول أوروبية اليوم وقف لإطلاق النار وإقرار صفقة تبادل للأسرى كخطوة اولى في اتجاه حل سياسي للحرب، وذلك ما يفسر ضمنيا تمديد مدير وكالة المخابرات الأميركية (سي آي إيه) لاقامته بيوم في الدوحة عاصمة قطر لإنقاذ المفاوضات التي يعمل الاحتلال على اسقاطها بطرق شتى ومنها التصعيد الاخير في رفح.
خلف الخطاب السياسي والإعلامي الغربي الداعم للاحتلال الصهيوني يبدو ان التطورات الاخيرة سلط الضغط على الادارات الغربية وعلى الاحتلال ولمنع اية تداعيات كبرى لا يمكن التحكم فيها او تقليص حجم أثرها لذلك سعت الادارة الامريكية خاصة على ابرام الصفقة والضغط من اجل تحقيق ذلك.
الكرة اليوم في ملعب نتنياهو الذي اذا اختار المضي قدما في حماية مستقبله السياسي ومنع انهيار حكومته قد يلجأ الى سياسة الهروب الى الأمام واجتياح رفح بريا على امل ان يحقق اي مكسب ينقذ به نفسه بعد ان سقطت كل محاولاته للنجاة سياسيا وقضائيا، بهذه المغامرة يضع الاحتلال لاول مرة في تاريخه في موقف دولي غير مسبوق ويثير غضب الادارة الامريكية التي تواجه عدة مصاعب داخلية ودولية جراء دعمها السياسي والعسكري للاحتلال