في البحث عن الحلول والحال أنها تعلم أن الوضع الحالي ليس وليد اليوم بل هو نتيجة لتراكمات سياسات و تعهّدات سابقة.
ولعلّ إعتماد الحلول التلفيقية في السابق، إثر بروز بوادر التأزم، جعل الرأي العام لا يصدّق خطورة تداعيات تفاقم التّداين الخارجي و تبعاته على ميزانية الدولة في القريب العاجل، وهو ما ولّد شيئا من «الطمأنينة» للإعتقاد بأن «الذكاء التونسي» قادر في كل الأحوال على إيجاد الحلول.
وما يثير الإستغراب أن عدّة أطراف لا تزال تتعامل مع الحقائق الإقتصادية بمقاربات «ذاتية و أخلاقية» وبقيت تراهن على التعاطف الدولي ومؤازرة بعض الدول العربية أو حدوث معجزة، تخرج البلاد ممّا هي فيه . و يحدث ذلك بالرغم من أن العديد من الوعود كانت خاوية أو بلا رصيد .
لسنا في حاجة إلى التذكير بأن مواصلة التعويل على حل من الخارج في ظرف أصبحت فيه كل الدوّل تعمل على تجاوز مصاعبها و مشاكلها ، وأن الحلول الحقيقية تتأتى أساسا من الداّخل وبمجهود القوى العاملة والفاعلة في التنمية وبالتعويل على إحياء جذوة القوى الوطنية الذاتية.
لذلك تكون الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل و الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أمام خيار واحد، وهو عدم الإنقطاع عن التفاوض قبل إيجاد الحلول لحل المعادلات الصعبة الّتي تواجهها مع صندوق النقد الدولي الّذي سبق الإتفاق معه على إتخاذ حزمة من الإجراءات كي يواصل دعمه لتونس. (راجع إفتتاحية السبت 8 أكتوبر 2016).
هذه الحلول تنطلق من قناعة تبدو مشتركة وهي تقاسم كل الأطراف للأعباء التي تقتضيها عملية الإنقاذ، لضمان الإستجابة لروزنامة تسديد الديون والبحث عن سبل توفير الموارد بصفة عاجلة، من جهة، ومن جهة أخرى، للبحث عن الآليات الجديدة للتنمية و إعادة تنشيط حركة الإنتاج في كل المجالات.
ونقف هنا مرّة أخرى عند ضرورة تفعيل و تنشيط دور كل المنظمات الوطنية والمهنية والأحزاب السياسية للمساهمة في البحث عن الحلول وفي دعم المجهودات الرّامية إلى تجاوز الأزمة. فتقاسم الأعباء أو التضحية، ليس شعارا، وإنّما هو انخراط فعلي في تصوّر ناجع لتنمية موارد الدولة. والدولة من جهتها مطالبة لحل إشكالية الجباية والضرائب، بإدخال كل الناشطين في الدورة الإقتصادية بأي شكل من الأشكال، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بجبر المتهربين أو غير المشمولين بأداء الواجب الجبائي بدخول المنظومة ولو بصفة تدريجية.
لقد أصبحت الحكومة تتصارع مع الزمن لتكون جاهزة خلال هذا الشهر لإيجاد الحلول الكفيلة بإنجاز خطة الإنقاذ للسنوات الثلاث المقبلة . و فشلها في ذلك يعني البحث عن حلول «قيصرية» قد تكلف البلاد ثمنا باهظا سيكون عبئا على الأجيال القادمة وخطرا على الدولة.
ولا شك أن المنظمة الشغيلة و منظمة الأعراف على دراية بالمخاطر الّتي تتهدّد بعض المؤسسات و المنشآت العمومية والصناديق الوطنية ، وهي أدرى بتبعات العجز على القطاعين العام والخاص وعلى القوى العاملة فيهما.
إن كل أنظار المتابعين للشأن العام تنتظر مآل لقاء الغد الّذي سيجمع رئاسة الحكومة بأعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد العام التونسي للشغل، وبقية حلقات المفاوضات ، للتعرّف على الخطوط العامّة لخطّة التجاوز العاجلة، لتتلمّس مواطن الأمل في الإنفراج الّذي يصعب تبيّن ملامحه إلى اليوم .