الهجرة غير النظامية في البحر المتوسط: في ظل تناقض الخطاب والسياسات العمومية.. أي موقف لتونس ؟

يوم بعد يوم تزداد حيرة المتابعين للسياسات العمومية التونسية

في ملف الهجرة غير النظامية وعلاقتها بالسياسات الأوروبية في هذا الصدد، ذلك أن خطاب السلطة الذي يفترض انه يعبر عن السياسات العمومية الرسمية يتناقض كليا مع السلوك السياسي المنتهج، فالسلطة تعلن رفض لعب دور الشرطي او حارس المحتشدات الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين في خطابها ثم تصدر قرارات واوامر متناقضة مع ما تعلنه للعموم.

في الاسابيع والايام القليلة الفارطة، قبل ان تشهد منطقة العامرة وجبنيانية من ولاية صفاقس أحداثا دامية بين المهاجرين غير النظاميين من ناحية والمتساكنين والأمن من جهة اخرى، كان الخطاب الرسمي الذي استبق زيارة رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني يعلن عن لاءاته المتعلقة برفض ان تتولى تونس حماية المياه الاقليمية او ان تنشئ على أراضيها مخيمات للمهاجرين.

لاءات تكرر الإعلان عنها منذ فيفيري 2023 من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في مؤسسة الرئاسة وفي باقي الوزارات المعنية بهذا الملف، يمكن اختزالها بالقول ان تونس ترفض ان تلعب دور حارس حدود الاتحاد الاوروبي او ان يقع اعتبارها حدودا متقدمة له، اضافة الى رفضها استقبال المهاجرين غير النظامين واللاجئين الى حين استكمال دراسة ملفاتهم من قبل دول الاتحاد، وهذا ما عبر عنه بانه ترفض ان تكون ارض عبور او ارض استقرار.

خطاب ساهم في تشكيل راي عام لدى جزء من التونسين معاد للمهاجرين غير النظاميين تطور في ظل حملات دعائية على منصات التواصل الى تشكيل موقف متطرف بلغ حد الاستهداف المباشر والضغط على السلطات لترحيلهم دون اتباع الاجراءات القانونية او الانسانية.

وهذا الخطاب السيادي يتناقض كليا مع خطوات اقدمت عليها السلطة او تصريحات قدمها ممثلون عنها، ففي الـ5 ممن افريل الجاري صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية امر رئاسي عدد 181 يتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين، وهو ما يقابله لدى دول الاتحاد الاوروبي مصطلح ومفهوم Search and Rescue Operations in the Mediterranean ، الذي يعني عمليات البحث والانقاذ في المتوسط، والذي لا يشير اليه الامر صراحة ولكنه يكتفي بالاشارة الى المنكوبين في البحر. وهنا يكفي الاطلاع على الخارطة لادراك البحر المعني.

امر حدد معنى الانقاذ في انه عملية انتشال أشخاص مكروبين في البحر وتلبية احتياجاتهم الأولية الطبية أو غير الطبية ونقلهم إلى مكان آمن، كما انه عرف «خدمة البحث بانها أداء وظائف الرصد والاتصال والتنسيق والبحث والإنقاذ في حالة الاستغاثة، باستخدام الوسائل العامة والخاصة المتاحة مع ترك المجال لابرام اتفاقيات في هذا الصدد مع الدول او المنظمات او الكيانات الاقليمية.

وهذا يعنى الانخراط في السياسة الاوروبية المتعلقة بالبحث والانقاذ في المتوسط والتي تؤدي الى تولي الاجهزة التونسية من حرس بحري او جيش القيام بدوريات بحرية في المياه الدولية لا في المياه الاقليمية فقط، وهذا يعني عمليا ان الدولة التونسية وبمسميات مختلفة ستلعب دور حارس الحدود البحرية الاوروبية لمنع الهجرة غير النظامية وإعادة المهاجرين الى البر، وبالتالي ستكون الاراضي التونسية هي الوجهة.

اراض تعلن الدولة ومؤسساتها السيادية في خطابها انها لن تحتضن مخيمات ولكن اقتفاء اثر فتات الخبز الذي تخلفه السلطات التونسية او نظيرتها من دول الاتحاد الاوروبي يبين العكس تماما، فما صرح به حسام الدين الجبابلي من انه سيقع تخصيص مناطق محددة لاستقبال المهاجرين المرحلين من مناطق ريفية في جهة صفاقس فيه اشارة ضمنية الى ان الدولة التونسية تتجه الى تركيز مراكز ايواء للمهاجرين غير النظامين ممن وقع نقلهم من جهة صفاقس ولا يستبعد ان يلتحق بهم من سيقع انقاذهم في البحر وذلك ما يعني، بعيدا عن المسمى الذي سيطلق على الامر والعملية، تركيز مخيمات/ محتشدات للمهاجرين غير النظامين لاول مرة في تاريخ تونس التي استقبلت قبل يومين وزير الدفاع الايطالي وتكتمت عن مضمون المباحثات التي جمعته مع نظريه التونسي.

صمت الجهات التونسية لم يحل دون كشف وسائل اعلام ايطالية عن السياقات المحيطة بلقاءات الوزير وزياته التي سبقها زيارة لرئيسة الحكومة جورجيا ميلوني للمرة الرابعة في اقل من سنة ونصف لتونس لبحث ملف الهجرة الذي تتبنى فيه ايطاليا خيارا يتمثل في جعل تونس حدودا متقدمة لها ونقل مراكز الايواء والاحتجاز من اراضيها الى التراب التونسي

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115