اذ فصلت ساعات معدودات بين صدور الأحكام وتشكل خطابين سياسيين يفسر كل منهما الأحكام وفق ما يراه مناسبا لخدمة الشعار السياسي المركزي لخطابه، لنكون مرة اخرى امام جدل أثاره البعض ببحثهم عن كل شيء إلا عن الحقيقة.
بين تاريخ 6 فيفري 2013 و الـ27 من مارس 2024، مرت 11 سنة بمدها وجزرها قبل ان يصل ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد الى نقطة النطق بالحكم، وذلك ما تم صباح أمس حينما أعلن أيمن شطيبة مساعد وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس عن مضمون الأحكام الصادرة عن الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب في المحكمة الابتدائية بتونس.
أحكام وقع التداول فيها لاكثر من 15 ساعة من قبل هيئة المحكمة التي اصدرت احكاما بالاعدام على 4 متهمين والسجن مدى الحياة على اثنين آخرين فيما تراوحت الأحكام الصادرة في حق 12 متهم اخر بين السجن لمدة تتراوح بين العامين و120 عاماً، أما الخمسة المتبقون من مجمل المحالين الـ23 فقد قضي بحقهم بعدم سماع الدعوة نظرا لاتصال القضاء.
أحكام صدرت ومعها انطلقت مرحلة جديدة يبدو أنها تحمل نفس العنوان الأبرز وهو «حقيقة الاغتيال»، فما حمله الحكم القضائي لم يحمل أي معطى مفاجئ او جديد في علاقة بادانة المحالين على القضاء بتهم تتعلق باغتيال بلعيد، ذلك أن الاحالة ومرافعات النيابة او اطراف الدفاع لهذا الطرف او ذلك كانت معلومة منذ انطلاق جلسات المحاكمة في 6 فيفري الفارط.
وكل ما يتعلق بأطوار تنفيذ عملية الاغتيال وقع الخوض فيه مرارا دون ان يقع الكشف عن معطى او تفصيل جديد يحيل الى فاعلين جدد لا من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين ولا من قبل النيابة العمومية ولا من قبل فريق الدفاع عن المتهمين، وقد حافظ الجميع على نفس المعطيات القديمة مع تأويلها وفق ما يخدم سردياتهم.
معضلة تأويل ما حدث وكيفية حدوثه وتطويع الوقائع لخدمة هذا الطرف او ذلك وتعزيز سرديته بحجج تثبت الاتهامات التي يوجهها او البراءة التي يتمسك بها، تستمر اليوم بعد صدور الأحكام التي لم تغير كثيرا من مضمون الخطاب السياسي المتعلق بقضايا الاغتيال.
لدينا عائلة سياسية وهي العائلة الوطنية الديمقراطية «الوطد» وجزء من اليسار التونسي اللذين يعتبران ان ما صدر أمس من أحكام ليس إلا الجزء الاول المتعلق فقط بالمنفذين وهما اليوم في انتظار استكمال المحاكمات لمحاسبة كل من خطط ومول وحرض وفق قولهما، وهما يشيران هنا الى حركة النهضة وقادتها.
ما يتمسك به جزء من اليسار التونسي فيه ادانة لحركة النهضة جزائيا في إغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، وهو يتمسك بتسريع النظر في قضية الجهاز السري لحركة النهضة نظرا لما يعتقده من وجود ادلة سيُكشف عنها والتي تبين علاقة النهضة بالاغتيالات.
خطاب اليسار و«الوطد» لم يختلف عن خطابه خلال السنوات الـ11 الماضية وهو خطاب يحمل حركة النهضة المسؤولية الجزائية في الاغتيالات وهذا ثابت ومستمر كما لم يتغير خطاب النهضة الذي ينفي تورطها في الاغتيالات والتي وجدت اليوم ما يبرره غي الحكم القضائي الذي تعتبرأنه يعزز حججها في أنها لم تتورط في الاغتيالات لا من قريب ولا من بعيد.
وقد عبرت النهضة في بيانها الصادر أمس عن هجومها المضاد الذي استند إلى ما اعتبرته تبرئة القضاء لها ولكل قادتها من التهم التي تتمسك بها أطراف سياسية، في إشارة إلى هيئة الدفاع، واعتبرت انه انتصار لها في انتظار انصافها.
هنا يتضح جليا ان كل طرف في المعادلة السياسية المتعلقة بقضية الاغتيال يبحث عن ضمان مكاسب او تحقيقها مما يهدد بان تكون حقيقة الاغتيال وتفاصيله منقوصة قد لا نعلم عنها شيئا في ظل المناكفات التي تبحث عن الكسب السياسي لا عن حقيقة تنصف الجميع وتعالج موطن القصور والخلل