الدورة الأولى للانتخابات المحلية: 11،66 نسبة المشاركة ... أين الخلل؟

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات

أن نسبة المشاركة في الانتخابات ليوم امس بلغت 11,66 ٪ من مجمل المسجلين في السجل الانتخابي، وقدمت هذه النسبة على انها محترمة وافضل من الاستحقاق التشريعي، بعد ان توجه مليون و59 الف ناخب الى مراكز الاقتراع في الدور الاول من الانتخابات المحلية.

رغم الضعف البارز تم تبريرها من قبل رئيس الهيئة باعتماد هيئتها على التسجيل الالي للناخبين مما يرفع في عدد المسجلين الى اكثر من 9 ملايين ناخب، وهو ما يفسر النسبة المتدنية للمشاركة وفق الهيئة التي حافظت على ذات التفسير والشرح حول تدني نسبة المشاركة المعتمد في الانتخابات التشريعية الفارطة.

فالجلي اليوم ان ازمة العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية التي اقرها مسار 25 جويلية، التشريعية والمحلية، ليست حدثا عرضيا ناتج عن عناصر من خارج الحقل السياسي، كاتساع قاعدة سجل الناخبين او غياب المال الفاسد او عدم اهتمام التونسيين بالانتخابات المحلية باعتبار انهم في نظام رئاسي، بل هي نتاج منظومة البناء القاعدي التي انطلقت برفض وجود الاجسام الوسيطة في العملية السياسية والانتخابية.

وترجمة هذا الاقصاء في الخطاب السياسي او في القانون الانتخابي والية الاقتراع القائمة على الافراد هي ضعف الاهتمام بالشان الانتخابي والعزوف عنه الذي تبينه ارقام الهيئة ومؤشراتها الاحصائية التي يعد ابرزها مؤشر 11.66 ٪ كنسبة اولية للمشاركة، والتي تعتبر قريبة من نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 17 ديسمبر 2022.

ونقاط التقاء الاستحقاق التشريعي والمحلي، لا تقتصر على ضعف نسبة المشاركة وتقاربها بل المعطيات السياسية والانتخابية التي تقدمها، بعيدا عن القراءات التقليدية القائلة بان المناخ العام اثر في نسبة المشاركة في الاستحقاقين او ان التونسيين منشغلون بمعاشهم اليومي لذلك عزفوا عن المشاركة، مما قد يكون صالحا لتبرير التعثر الذي ليس ظاهرة جديدة برزت في الحقل السياسي والانتخابي التونسي وقد تجلت خلال المحطتين الانتخابيتين الاخيرتين.

فنحن ازاء مؤشر مهم كشفت عنه انماط اقبال التونسيين على مراكز الاقتراع وتوزعهم الجغرافي والعمري والجندري في هذا الاسنتحقاق كما في سابقه، وهو اننا ازاء بروز العامل القبلي العشائري في المشهد السياسي لتعويض الاجسام الوسيطة التي غابت عن الاستحقاقين، ويبرز هذا الدور الجديد للقبائل والعروش كلاعب سياسي وانتخابي في مؤشر اعلن عنه عضو الهيئة محمد التليلي المنصري صباح امس حينما اكد على ان نسب الاقبال في الوسط الريفي افضل منها في الوسط الحضري.

الظاهرة السياسية التي اكدتها الانتخابات المحلية هي اننا امام انتقال العملية الانتخابية من فعل سياسي يفترض تعاقدا بين الناخب والمترشح يقوم على مفهوم المواطنة الى فعل « قبلي » يستنجد فيه المرشح بابناء عمومته واهله لنصرته في الانتخابات، وهذا لوحده ينسف مبدأ الجمهورية والمواطنة التي تفترض ان الشان العام مجال للفعل العقلاني الذي يعيد تحديد الروابط بين الافراد وفق عقد اجتماعي بعيد عن مفاهيم القبلية والدم.

ولئن كانت الروابط القبلية « العروشات » سابقا تمثل احد عناصر المعادلة الانتخابات في تونس خاصة في الجهات الداخلية واريافها تندرج تحت بند اشمل منها وهو « الوجاهات الجهوية والمحلية الا ان ما باتت عليه من تاثير كبير في الاستحقاقين الانتخابيين الاخيرين، وخاصة انتخابات 24 ديسمبر، تمثل خطرا حقيقيا على المشهد السياسي المتازم بطبعة والفاقد للافق.

فالعامل القبلي الذي دفع بنسبة المشاركة الى ان تكون في الارياف ارفع منها في المدن، في انتظار استكمال الصورة بنشر الهيئة لنتائج الانتخابات مفصلة، هو ذاته العامل الذي دفع بناخبي المجال الحضري الى العزوف، فالانتخابات المحلية التي كانت جوهر مشروع البناء القاعدي الذي يسوق على ان الشعب يعبر به عن ارادته من القاعدة الى القمة، وان القرار يتخذ من المحليات وصولا الى المركزي، افرغت العملية السياسية من التنافس المفترض بين اجسام وسيطة او افراد تقوم على مشاريع حكم وتصورات كبرى لادارة الشان العام بهدف تقديم برنامج وطني اشمل لمعالجة الازمات والاشكاليات التي يواجهها المواطن/الناخب.

لذلك كنا في مناسبتين انتخابيتين امام حصيلة هذا التصور القائم على رفض فكرة وجود احزاب تتنافس في الانتخابات مع نسب مشاركة ضعيفة وحملة باهتة لا تكاد تستشعر في الفضاء العام لولا بعض المعلقات المشتته او حصص التعبير الحر التي بثت في التفلزة الوطنية، مما قاد في النهاية الى ان يكون المحدد في السياق الانتخابي رافدا من روافد ما قبل الدولة الحديثة وهي القبيلة التي ولئن استفادت هنا من ضعف الساحة السياسية وتفككها الا انها اعلنت بشكل آخر عن ضعف اصاب الدولة فلجأ افرادها الى الروابط القديمة التقليدية وهي روابط الدم والاسرة وهذا أمر خطير اذا تواصل.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115