وصادق عليهما يوم الأحد 10 ديسمبر الجاري، دون ان يكشف الغموض عن مصدر الـ 10 مليارات دينار لا يعرف من اين ستقع تعبئتها، وتلك احدى أبرز الاخلالات في قانون مالية سمته الأساسية انه «محاسباتي» همه مساواة النفقات والمداخيل حتى وان كان ذلك على الورق فقط.
قانون مالية امتدت ايام مناقشته من 17 من نوفمبر الفارط الى الـ 10 من ديسمبر الجاري، اي 25 يوما، لم تعكس فيها النقاشات الجدل المجتمعي الذي رافق القانون منذ صدوره ولم تكشف جل مداخلات النواب عن استيعاب تداعيات هذا القانون الذي حمل شعارات كبرى تردد صداها في اروقة المجلس وحده.
فالاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة والاقتصاد الدائري وغيرها من المصطلحات التقنية كانت حاضرة بقوة في الكلمات التي قدمت تحت قبة البرلمان سواء من أعضاء الحكومة او من نواب المجلس، وقد بحث كل منهم عن تسويق صورة جوهرها انخراط المتكلم في مسار 25 جويلية ودفاعه عن المسار وعن مقولاته السياسية الكبرى كمحاربة الفساد والاحتكار والتعويل على الذات.
شعارات سياسية بعيدة كليا عن ما قدمته ميزانية 2024 ونصوصها القانونية من صورة اولية عما سيكون عليه المشهد العام في البلاد التي ارتكز قانون ماليتها على جملة من الفرضيات التي يبدو ان تحقيقها صعب، ومنها فرضية تحقيق نسبة نمو بـ 2.1 % التي لم تنل حظها في النقاش لمعرفة كيفية تحقيق حكومة الحشاني لهذه النسبة في ظل مؤشرات تحذر من تكرار خطإ السنة الفارطة التي افترض فيها تحقيق نمو بـ1.8 الا أن السنة انتهت على نسبة نمو بـ 0.9 % بما يعنيه ذلك من انعكاسات مالية على مدا خيل الدولة.
هذه المداخيل التي رفع بشأنها شعار التعويل على الذات مهددة بان تتقلص في ظل وجود خلل هيكلي يتمثل أساسا في تبويب الحكومة لـ10 مليار دينار تمثل 13 % من حجم النفقات كمداخيل متأتية من «قروض أخرى» لم تحدد مصادرها أو الجهة التي يمكن ان تمنحها لتونس التي تصنف من وكالات الترقيم السيادي في مستوى المخاطر المرتفعة، -ccc مع افاق سلبية. مما قد يعقد مهمة الحكومة ومجهود تعبئة موارد مالية خارجية.
اذا تأثر هذا المجهود ستجد حكومة الحشاني صعوبة في الحفاظ على توازنات احتياطياتها من العملة الأجنبية، خاصة وان خدمات الدين المزمع سدادها خلال السنة القادمة تقدر بـ4 مليارات دولار، وذلك ما حذر منه تقرير «فيتش رايتنغ» الذي خصص حيزا هاما لهذه المعضلة التي سنواجهها مع بداية الثلاثي الاول من السنة القادمة موعد حلول آجال سداد قرض رقاعي باليورو يقدر بـ850 مليون يورو واجل سداد قرض قيمته 168 مليون دولار.
أما المعضلة الاخرى فهي مدى قدرة الدولة على الإيفاء بتعهداتها في قانون مالية 2024 وخاصة منها تعهدات الدعم والاستثمار. ففي قانون المالية الجديد كشفت الحكومة عن انتهاجها لمقاربة إصلاحية مختلفة عن خطة إصلاحاتها السابقة، سواء أتعلق الأمر بنفقات الدعم او بنفقات التأجير. لتحقيق شعار عدم المساس بالدعم أقرت الحكومة اداءات جديدة على عدة قطاعات لتوجيهها الى صندوق الدعم، وابرز القطاعات التي استهدفت بهذه الاجراءات قطاع الحليب وتحديدا مشتقاته، كذلك قطاع السياحة، اذ تراهن حكومة الحشاني على ان توفر بهذه الإجراءات اعتمادات مالية لصندوق الدعم والتي شهدت انخفاضا في قيمة المخصصات لها في قانون مالية 2023 خاصة في القسم المتعلق بدعم المواد الاساسية والتي تراجعت نفقاتها بـ1.117 مليار دينار بين قانون مالية 2023 والقانون التعديلي لذات السنة.
هاتان المعضلتان المتلازمتان ، الحفاظ على توازنات العملة الصعبة التي ان اختلت احتياطاتها ستنعكس على الاقتصاد باحداث هزات عنيفة كما ستفاقم من الاحتقان الاجتماعي خاصة اذا انعكس مباشرة على وتيرة تزويد السوق بالمواد الأساسية والمدعمة. وذلك لم يكن عنصرا بارزا في النقاش الذي امتد لأكثر من ثلاثة أسابيع.
أسايبع شهد فيها التونسيون جدلا محدودا بين الحكومة والنواب بشأن اقرار بعض الفصول المقترحة من قبل المجلس، كفصل العفو الجبائي او فرض أداءات جديدة في قطاع الصيد البحري تقتصر على نشاط صيد سمك التن الأحمر، او إقرار بعض الامتيازات الديوانية او الاعفاءات الجبائية عن بعض المنتجات المخصصة، وذلك ما تم إقراره مع نهاية النقاشات.
فصول بات النواب اليوم يقدمونها كعنوان لنجاح مهمتهم ووظيفتهم التشريعية لتجنب الخوض في غياب النقاش الجدي للافاق الاقتصادية والتنموية في تونس وعدم مساءلتهم للحكومة عن الاخلالات الهيكلية في قانون مالية يرفع الضغط الجبائي ويكبل النشاط الاقتصادي والاستثمار في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد الى تحرير محركات الإنتاج وإعادة تشغيلها.