حيث اثار الدمار الذي خلفه القصف العنيف طوال ايام الحرب وما رسمته اليات جيش الاحتلال من خطوط على الارض، وهما ما يشكلان صورة عن حقيقة الهدف العسكري الذي يمضي اليه الاحتلال وان كان ذلك لا يكتمل الا بالعودة لتصريحات نشرت في وسائل اعلامه في الاسبوعين الثالث والرابع من الحرب على غزة.
يطلعنا رصد عمليات القصف العنيف للاحتلال على الاحياء والمناطق في غزة وما تحمله الصور الجوية الحديثة من كشف عن تسوية احياء ومربعات سكنية برمتها بالارض، وقد توزع هذا الدمار على خارطة القطاع بالاضافة الى نقاط انتشار قوات الاحتلال ومواقع المعارك العسكرية التي دارت بينه وبين المقاومة الفلسطينية، وذلك يكشف عن صورة عامة عنوانها الرئيسي التضييق ومحاصرة مناطق محددة في القطاع للاعتقاد في اشتباه وجود قادة لحركة حماس بها.
فما تكشفه تحركات قوات الاحتلال البرية التي تسعى للتقدم والتمركز المتقدم على مساحة مايعرف وفق الاصطلاح العسكري بالقاطع الغربي لشمال غزة الذي يعتبر مخيم الشاطئ نقطته المحورية عن الهدف المركزي في استراتيجات الاحتلال، وبالنظر الى مخلفات القصف وسير تقدم القوات البرية للاحتلال يتضح اننا ازاء تكرار إستراتيجية حرب لبنان سنة 1982 التي قادت في نهايتها الى محاصرة بيروت وعزلها عن بقية الاراضي اللبنانية اضافة الى تقسيمها فيه الى مربعات عزلت عن بعضها البعض لتنفيذ حصار كلي على مقاتلي وقادة منظمة التحرير الفلسطينية حينها.
ويبرز استنساخ إستراتيجية حصار بيروت لا فقط في الاعتماد على القصف الجوي والبري والبحري للتمهيد لتقدم القوات البرية بل في تحركات اليات العسكرية على الارض في خط يهدف الى اختراق قطاع غزة وصولا الى مخيم الشاطئ والى مجمع الشفاء للصحة الذي يبعد عن مركز المخيم حوالي 2 كيلومترين. وهي خطوات تعتبر اساسية لتحقيق هدف فصل شمال غزة و مدينة غزة عن بعضهما البعض وفصلهما كليا عن باقي مناطق القطاع الواقعة جنوب وادي غزة.
هذه هي الصورة الميدانية التي يسعى الاحتلال الى تطبيقها وتنزيلها كليا على الارض عبر غطاء ناري كثيف برا وبحرا وجوا لفرض مناطق عازلة تيسر له التقدم الى الى اهدافه العسكرية على حساب المدنيين في القطاع الذين ارتقى منهم اكثر من 11 الف شهيدا واصيب اكثر من 28 الف منهم بجروح. هدف عسكري ذكر لاول مرة بشكل صريح في كلمات المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، الخميس 2 نوفمبر الجاري، بقوله ان الهدف العسكري للاحتلال "إكمال حصار مدينة غزة"، وهو ما فككه رموز الاحتلال بانه سعي الى تحقيق الهدف السياسي الممكن لحرب الاحتلال على غزة، المتمثل في ابعاد قادة حماس من القطاع بعد ان تبينت استحالة تحقيق هدف القضاء على حماس.
هذا الهدف المتمثل في ابعاد من تبقى من قادة حماس بعد الاعلان عن مقتل واستشهاد خمسة من اعضاء المكتب السياسي لحماس منذ بداية الحرب، تكشفه تصريحات نشرت في وسائل اعلام الاحتلال الصهيوني و تتضمن اراء وتقييمات لخبراء مضمونها ان يقع نقل من تبقى من قادة حماس إلى دولة قطر التي تستضيف عددا من القادة السياسيين للحركة منذ سنوات، وذلك ضمن اتفاق سياسي يقع الوصول اليه عبر محادثات بين الاحتلال وأميركا ومصر تؤدي في بدايتها الى خروج آمن لقادة حماس من القطاع عبر معبر رفح إلى الأراضي المصرية ومنها إلى وجهتهم النهائية في الدوحة.
هذه الخطة التي اعلن عنها مشفرة اعلام العدو تهدف الى استنساخ ما حدث في بيروت في 1982، حينما احتل العدو الصهيوني لبنان بدعوى دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما وراء الحدود بـ40 كلمتر، لتحييد صواريخ المنظمة، وتوغله البري على طول الطريق إلى بيروت التي هاجمها من البحر والجو والبر، وقطع عنها الطعام والماء والطاقة لدى تنفيذ حصار انتهى بمغادرة منظمة تحرير للبنان في اتجاه عدة دول عربية منها تونس.
سيناريو اعادة حصار بيروت ونتائجه يبدو انها باتت الاهداف المخفية لاحتلال الصهيوني في حربه على قطاع غزة التي بلغت اسبوعها السادس دون تحقيق نتائج عسكرية يمكن ان تسوق لنصر وان جزئي، فاليوم مع ما تظهره الصور والتسجيلات التي تنشرها المقاومة وخاصة حساب كتائب القسام على التيلجرام تبين حجم الخسائر في العتاد والجنود في صفوف جيش الاحتلال الذي فقد عشرات من الياته وجنوده وفق ما يقدمه من احصائيات تشكك المقاومة في دقتها وصحتها.
كما يواجه الغزو البري لجيش الاحتلال وتعثرا عجزه عن التقدم الى مخيم الشاطئ حيث يقع منزل اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس او اجبار اللاجئين والاطار الطبي في مجمع الشفاء الطبي على مغادرة المستشفى الذي يحتضن اليوم جزءا من المسؤوليين الحكوميين في قطاع غزة، المسؤولين عن قطاع الصحة اساسا، وتقديم ذلك على انه انتصار واجبار لقادة حماس على المغادرة، بالاضافة الى امتلاك ورقات ضغط توجه ضد قادة الحركة والمقاومة لدفعهم الى تقديم تنازلات سياسية في ملف الاسرى وملف ما بعد الحرب اي مستقبل غزة الذي يرسمه الاحتلال وداعمه من دول غربية على انه مستقبل خال من حركة حماس ومن المقاومة.
رهنات سياسية وعسكرية لازال الاحتلال يسعى اليها بكل السبل والطرق التي تتضمن ارتكاب جرائم حرب بشكل فج ومباشر في ظل دعم سياسي غربي لا يبدو انه لن يستمر اذ ترتفع اصوات ترتفع في الادارة الامريكية تبدى انزعاجها لا من حجم الدمار والقتل بل من عدم نجاح الاحتلال في ان تحقيق اهدافه العسكرية في افق زمني محدد، اي ان هناك تبرم من طول امد الحرب وعدم تحقيق الاحتلال لاي انجاز.