بارونات الفساد اخترقوا الدولة وأجهزتها، هذه العبارات تلفظ بها شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد، ولم تكن اول مرة يقولها الرجل الأول في الهيكل المكلف بمكافحة الفساد في تونس الذي بات يمثل تهديدا أكثر من الإرهاب وفق رئيس الحكومة الحالي وسابقه الحبيب الصيد، وتدعم قولهما تقارير المنظمات الدولية التي تشير إلي ان تونس تخسر سنويا بين نقطتين و4 من نسب التنمية نتيجة للفساد وهو ما يمثل ما بين 32 ألف و58 الف موطن شغل.
تصدر الفساد قائمة التهديدات الموجهة للدولة التونسية هو نتاج تراخي الدولة والحكومات في معالجته والتصدي له وفق ما يشدّد عليه شوقي الطبيب الذي تقلد مسؤوليته على رأس الهيئة منذ فيفري الفارط.
6 أشهر كانت كافية ليطلع الطبيب على العقبات التي تحول ضد تحقيق نتائج في الحرب على الفساد، وأبرزها غياب الامكانيات المادية اللازمة، ومن ذلك ميزانيتها التي لم تتجاوز 312 ألف دينار، يخصص ثلثها لكراء المقر ورواتب عدد موظفيها وأعوانها الذي لم يكن يتجاوز 11 موظفا وعاملا. ونقص الموظفين هو العنصر الثاني إذ أن الهيئة اشتغلت لمدة 4 سنوات بثلاث محققين فقط للنظر في أكثر من 10 ألاف ملف أحيل عليها منذ 2011.
تركة ورثتها هيئة الطبيب عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة والهيئات السابقة، وتقدر باكثر من 10 آلاف ملف، تمت دراسة أكثر من 8600 ملف منها فيما لا تزال البقية قيد الدرس أو في انتظار التوزيع على المحققين، الذين بات عددهم 20 بعد الانتدابات التي تمت في 2016.
ليكشف رئيس الهيئة، عن غياب جهاز تقصٍّي حقيقي مما اضطر هيئته إلى الاستعانة بخبراء وفق آلية عقود إسداء الخدمات، وتكليفهم بدراسة العرائض والشكايات بطريقة عمل الفريق، كما تمّ انتداب موظفين جدد للاضطلاع بالمهام الإدارية وتسخير الخبراء لدراسة الملفات، بإعادة تنظيم عمل المحققين في فرق تقصي الملفات والعرائض، وفرق تحرير الشكاوى، وفرق الإشراف على مشاريع تحسين الإدارة والإجراءات، وفق تحاليل تعنى بالإعداد لتصورات إنجاز قاعدة البيانات وكتابة التقارير».
سنة تلقت هيئة مكافحة الفساد منذ مطلعها الى غاية 15 من أوت الجاري أكثر من 2000 ملف، أحيل منها قرابة الـ800 على رئاسة الحكومة إضافة للانتقال بالملفات الى المرحلة الثانية وهي التتبع القضائي.
لكن هذه المرحلة يعتبرها الطبيب الحلقة الضعيفة في مسار مكافحة الفساد، فاكثر من 560 قضية وملف احيل الى القضاء منذ 2011 ولم يصدر بعد بشأنها أي قرار. وأوضح أنّ «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد طالبت السلطة القضائية بمدها بمعطيات حول مآل الملفات التي أحالتها عليها، لمتابعة مدى تقدم خطة مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين».
كما أشار الى أن الملفات المتعلقة بالفساد يقع تكديسها في مكاتب قضاة التحقيق ولا تتم معالجتها لأكثر من سنتين. وتلك ليست الإشكالية الوحيدة فالنيابة العمومية بدورها لا تتحرك بالنسق المطلوب في الحرب على الفساد، ولا تثير قضاياه.
التلميح بان المسار القضائي في الحرب على الفساد متعثر، يقترن بدعوة الطبيب الى تغيير السياسة الجزائية للدولة وجعل الحرب على الفساد أولوية، لتضع أجهزة الدولة من امن وقضاة تحقيق وكل الفاعلين الحد من الفساد ومحاربته كأولوية أساسية لهم.
دون ان يغفل الطبيب عن القول ان مكافحة الفساد تستوجب إرادة سياسية تقف ضد اختراق بارونات الفساد لأجهزة الدولة، الأمنية والقضائية وللإعلام، مشيرا الى أن حكومة الشاهد تعهدت بان تشن حربا على الفساد وهو سيراقب ما سيحدث كما انه سيستمر في عمله بالتشهير بالفساد ومعالجته بالصراخ وليس العمل بصمت.
عنصران ضروريان وفق الطبيب لإنهاء حالة التطبيع مع الفساد في تونس، ولكنهما لن يكونا كافيين فالجميع، الدولة وعناصرها، مطالبين بخوض الحرب على الفساد وعدم الاستسلام له، باليات قانونية ومؤسساتية وليس بالنوايا وحدها.