لم يكن المعنيون والمهتمون بالشأن العام والسياسي هم الوحيدين الذين يترصدون كل شاردة وواردة ، منذ أعلن عن مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى تسلم هذه الأخيرة برئاسة يوسف الشاهد مهامها يوم أمس في موكب انتظم بقصر الضيافة بقرطاج. فالجماعات الإرهابية أثبتت أنها تترصد وتراقب أيضا.
الإثبات كان عبر عملية إرهابية نفذتها يوم أمس بجبال سمامة بولاية القصرين ( انظر مقال فاروق حلمي)، وأعلنت عنها وزارة الدفاع على لسان ناطقها الرسمي بلحسن الوسلاتي الذي أكد استشهاد 3 عسكريين وإصابة 7 آخرين. مشيرا الى ان تشكيلا عسكريا وقع استهدافه بهجوم إرهابي اعتمد على الألغام المضادة للمدرعات وقذائف «آر بي جي» وقنابل يدوية وأسلحة رشاشة.
الهجوم المباغت عقبته إشتباكات بين وحدات الجيش والمجموعة الإرهابية. التي تكبدت إصابات وأجبرت على الفرار. بعد ان كانت تحاول تفجير الآلية العسكرية كليا، كما دفع برئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى عقد لقاء مع كل من وزيري الداخلية الهادي مجدوب والدفاع الوطني فرحات الحرشاني لمتابعة الأوضاع الأمنية.
لقاء كان عقب دقائق من انتهاء مراسم تسلم السلطة، التي أرادت الجماعات الإرهابية استثمار وقتها وتوجيه رسائل. مفادها ان الحرب ضدها لن تكون يسيرة على حكومة الشاهد .وأنها لا تزال تحتفظ في جعبتها ببعض الحيل ويمكنها تنفيذ عمليات إرهابية.
المجموعة الإرهابية التي نفذت عملية يوم أمس. هي كتيبة عقبة ابن نافع التابعة لتنظيم القاعدة الارهابي. التي اختصت في تنفيذ عمليات ضد قوات الجيش والأمن الوطني وتتمركز في جبال ولاية القصرين وبالأساس في جبل الشعانبي وسمامة. ويبدو من طبيعة الألغام والتوقيت أنها خططت للعملية بإحكام.
الكمين الذي نصبته الجماعة استهدف تشكيلا عسكريا تتصدره دبابة من اجل تامين عملية فتح طرقات في جبل سمامة، وقام على عنصر المباغتة والتزامن مع انفجار لغم مضاد للمدرعات لتبادر المجموعة الإرهابية بإطلاق النيران وقذيفة ا ربي جي، ومن ثمة فتح النيران لتأمين انسحابها. هذه الخطوات المتبعة تتشابه مع تفاصيل كمائن استهدفت وحدات الجيش الجزائري منذ 2001.
وتكشف العملية الإرهابية ليوم أمس عن عنصرين جديدين في الحرب على الإرهاب، الأول يتعلق بالجيش التونسي الذي كشف بطريقة غير مباشرة عن اتباعه لتكتيك جديد في حربه على الجماعات الإرهابية يقوم على تهيئة ارض المعركة بفتح طرقات تمكنه من التحرك بسرعة في كل الاتجاهات لتوفر له الوقت والقدرة على مراقبة المناطق التي تنتشر فيها المجموعات الإرهابية بنجاعة اكبر وقدرة استجابة أسرع في حال ملاحظة تحركات او وقوع عمليات إرهابية.
أما العنصر الثاني فهو استعادة كتيبة عقبة ابن نافع لقدرتها على المباغتة والتحرك بعد ان سجلت في 2015 خسائر هامة وفقدت قيادات الصف الأول، لقمان ابو صخر ومراد الغرسليّ وأكثر من 20 اخرين. وهذا يعني ان الكتيبة الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة قد عززت بعناصر جديدة إضافة لتولي قيادات جزائرية أخرى زمامها.
يبدو ان عملية جبل سمامة التي تتزامن مع اول ايام تسلم حكومة الشاهد لمقاليد الحكم لن تكون الاخيرة في عهد هذه الحكومة التي تعهدت بتحسين اداء الدولة في حربها على الارهاب ووجدت نفسها في مواجهة مباشرة معه منذ يومها الاول.