لم تكن أحداث بن قردان في الجنوب التونسي، هي أول مواجهة بين قوات الجيش والأمن التونسي مع مجموعات إرهابية موالية للتنظيم التكفيري «داعش» الذي نجح منذ تأسيسه في العراق وسوريا في ان يجد له أتباعا في تونس.
لكن أحداث بن قردان، التي أسفرت عن القضاء على حوالي 50 إرهابيا، بيّنت أن التنظيم الإرهابي الذي نفى وزير الداخلية السابق، ناجم الغرسلي في جوان 2015 أن يكون له تواجد مهيكل في البلاد، رغم تواتر العمليات الإرهابية التي نفذها منتسبون له ينشطون في مجموعات إرهابية أعلن عنها في مارس 2015 ،وهي جماعة «جند الخلافة» و«طلائع جند الخلافة» اللتين أعلنتا عن مباعتهما لتنظيم «داعش» الإرهابي.
النشأة
فمنذ مارس 2015، اثر عملية متحف باردو، كانت هناك دلائل بأن تنظيم «داعش» الإرهابي، وجد له موطئ قدم في تونس، التي خطط لان يجعل منها ولاية وإحياء تاريخ «ولاية أفريقية»، انخرط في صراع غير مباشر مع كتيبة عقبة بن نافع الموالية للتنظيم الإرهابي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي كانت اول مجموعة إرهابية ناشطة في تونس بعد 2011.
هذا الصراع بين التنظيمين انطلق باحتشام منذ منتصف ديسمبر 2014، حينما وجه تنظيم «داعش» الارهابي رسالته العلنية الأولى إلى الشعب التونسي، حيث تبنى الإرهابي أبو بكر الحكيم مسؤولية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، قائلاً - «نعم، أيها الطغاة، نحن الذين اغتلنا شكري بلعيد ومحمد براهمي» ، ودعا بقية الإرهابيين الناشطين في تونس الى الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي.
ليقع توجيه الرسالة الثانية في 7 أفريل 2015، من قبل قيادي بالتنظيم يحمل كنية أبو يحيى التونسي، وجه رسالته من طرابلس في ليبيا، ودعا فيها التونسيين الى السفر لليبيا للتدريب ومن ثم العودة إلى تونس وتأسيس مجموعة موالية لتنظيم «داعش» الإرهابي.
هذه الدعوة التي أطلقها التنظيم، بعد إغرائه لعناصر إرهابية كانت موالية لتنظيم القاعدة في تونس، عقبها بعد يومين فقط، 9 افريل 2015 انشاء حساب إعلامي باسم «مؤسسة أجناد الخلافة بأفريقيا». الذي بات الحساب الاعلامي الرسمي لاتباع التنظيم الإرهابي في تونس منذ جوان 2015 اضافة الى «مؤسسة العروة الوثقى الإعلامية» التي تخصصت في نشر أخبار التنظيمات الإرهابية المبايعة لـ«داعش» في افريقيا.
الخلايا
هذا الخروج العلني عبر شبكة الانترنت، جاء عقب تنفيذ التنظيم الإرهابي هجومه على «متحف باردو الوطني»، الذي كان اول نشاط إرهابي للتنظيم في تونس تبنته مجموعة « أجناد الخلافة بأفريقيا» التي تتمركز في جبل المغيلة بولاية سيدي بوزيد.
حيث بينت نشريات لهذه المجموعات المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابي أنها تتمركز بجبال المغيلة وجبال السلوم، بعد صراعها مع مجموعة عقبة بن نافع، التي تلقت ضربات قاصمة، بمقتل ابرز قادتها في 2015.
وبكسب أتباع من تنظيم «أنصار الشريعة بتونس» المصنف كتنظيم إرهابي منذ 2013، تمركزت المجموعات الإرهابية الموالية لـ»داعش» في موقعين بتونس سنة 2015، أولهما كان جبل السلوم بالقصرين، الذي شهد في 22 أفريل، مواجهات بين قوات الجيش والإرهابيين أسفرت عن القضاء على احد الإرهابيين.
طوال السنة الفارطة، كان التنظيم الإرهابي يستقطب أنصارا جددا وهو ما بينته التحقيقات الأمنية التي كشفت ان جلّ من القي القبض عليهم في سنة 2015 كانوا من المبايعين للتنظيم الإرهابي، وقد تجاوز عدد الموقوفين 1800.
هذا الزخم في الاستقطاب، كان بعد توجيه الأمن التونسي لضربات قاصمة لكتيبة عقبة بن نافع التي كانت تحتكر النشاط في تونس منذ 2012، وباتت شبه غائبة بعد مقتل زعيمها خالد الشايب « لقمان أبو صخر» في مارس 2015، واثر مقتل مراد الغرسلي في جوان 2015.
فبالقضاء على قادة كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية استغل تنظيم «داعش» الإرهابي في تونس الوضع لاستقطاب من تبقى من الإرهابيين المرتبطين بها، عبر نشر إشاعة أن «الكتيبة» بايعت التنظيم. وهذا الانتقال من رفض الالتحاق بداعش من تنظيم أنصار الشريعة في تونس، من الولاء للقاعدة الي الولاء لداعش .
بانتقال الولاء من تنظيم إرهابي الى آخر، حقق «داعش» انتشاره في تونس، حيث انتقل ولاء الخلايا النائمة إليه، وهو ما بينته أحداث سنة 2015، من عملية بارد والى عملية محمد الخامس في نوفمبر 2015، مرورا بعملية سوسة، التي أعدتها ونفذتها خلايا مرتبطة بالتنظيم الإرهابي.
وقد قام الأمن التونسي وفق الإحصائيات المقدمة من وزارة الداخلية، بحلّ 1000 خلية إرهابية، كان اغلبها مرتبطا بالتنظيم عبر سلسلة من القيادات التي تقيم خارج تونس فباستثناء إشارة وحيدة نشرها حساب افريقية للإعلام في افريل 2015، عن ان أتباع «داعش» في تونس مرتبطون بـ«أمير» قتل، دون تحديد كيف حدث ذلك، وان الولاء انتقل للقائد الجديد الذي اشرف على تجهيز منفذ عملية سوسة، وقدّم له توصيات أخيرة.
القادة
هذه الإشارات اليتيمة عن قادة المجموعات الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي في تونس، لا تقدّم الكثير من التفاصيل عن من يدير شبكة الارهابيين المترابطة، وهو ما تقدم التقارير الامنية بعض المعطيات عنه، فهي تفيد بان قادة التنظيم يقيمون بليبيا على غرار نور الدين شوشان، الذي يرجح مقتله في غارة أمريكية على مدينة صبراطه في فيفري الفارط، وان السلم القيادي في التنظيم ينقسم الى مراتب.
فالقادة او «الامراء» في التنظيم هم من غير التونسيين، في حين ان القادة الميدانيين سواء الناشطين في ليبيا او تونس هم من التونسيين، الذين يتلقون التعليمات من قبل امير «ولاية طرابلس» الذي بدوره يتلقاها من ابو بكر البغدادي زعيم التنظيم الارهابي.
حيث ان قادة التنظيم الارهابي في ليبيا يخضعون لسلطة الموفد من العراق أبو نبيل الأنباري وهو عراقي الجنسية يحمل اسم وسام عبد زيد٬ سبق له ان تقلد منصب «امير ولاية صلاح الدين٬ وسط العراق.
وقد ارسل الانباري الى ليبيا في بداية مصحوبا بكلّ من أبو البراء الأزدي، وهو يمني يشغل خطة القاضي الشرعي، تفيد التقارير الامنية انه عين في خطة «واليا» على «ولاية برقة» ويساعده ٬ أبو حبيب الجز اروي٬ وهو سعودي.
فيما يشغل أسامة الكرامي٬ ليبي الجنسية، خطة قائد في منطقة سرت٬ ويخضع للترتيب الهرمي للقيادات، وهو مرتبط بعلاقة مع احمد الرويسي، أبو زكريا التونسي٬ قتل في 2015، وكان بمثابة أمير الجماعة التونسية.
ويحافظ التنظيم الارهابي على سرية قائد المجموعات المرتبطة به في تونس، حيث لم يعلن عن هوية قائدي كلّ من جند الخلافة ولا طلائع جند الخلافة، رغم اشارة الاذرع الإعلامية التابعة للتنظيم الإرهابي عن وجودهما.
اليوم وبعد احداث بن قردان، اتضح ان تنظيم «داعش» الارهابي تجاوز مرحلة التواجد «الهلامي» وهو التواجد دون تنظيم مهيكل تتوزع فيه المهام والادوار، لكن هذا الانتقال من جسم هلامي لا رابط تنظمي بين افراده، كما كان الحال قبل 9 اشهر الى تنظيم لم يسعفه لتجنب الانهيار في اول محاولة له ان يبسط نفوذه في تونس.