في تدبير الخروج من المسؤولية السياسية

ظلّ «الحبيب الصيد» موضــوع النقـــاش والتقييم والتحليلات طيلة شهر إلى أن قرّر مقاطعة الصمت والمسك بزمام الأمور والإفصاح عن وجهات نظره. ومن المهم ، في تقديرنا، أن يدلي رئيس الحكومة بموقفه من الجدل السياسي الذي يدور منذ مدة حول استقالته أو تخليه

قسرا عن منصبه. وما يلفت الانتباه في هذا التدخل هو حديثه بلغة «نحن» ذلك أنّ تدبير سياسة الحكومة لا يعود إليه مباشرة بقدر ما هو عمل جماعي كما أنّ «الصيد» حرص على تحمّل مسؤولياته من جهة، ومراعاة قاعدة التنسيب ، من جهة أخرى. وقد سعى «الصيد» إلى ربط أداء الحكومة بالسياقات المختلفة التي حفّت بعمل الحكومة كظروف إنشاء هذه الحكومة وتحزب بعض الوزراء واهتمامهم بالنشاط السياسي على حساب الانكباب على العمل الإداري وصعوبة التنسيق بين مختلف الأحزاب المكونة للائتلاف فضلا عن الوضع الأمني والتحديات التي واجهتها البلاد.

والمتأمل في جلسة المصارحة التي تأخرت، إقرار «الصيد» بأنّ النجاح الذي حققته الحكومة واقعي ومتنزل في سياق «تركة الماضي» وهو أيضا نسبي ومرتبط بإكراهات مارستها مختلف الأحزاب. وقد حرص «الصيد» على تصحيح المعلومات التي سرّبها المحللون والخبراء والتي ساهمت بشكل أو بآخر في إشاعة حالة من الخوف والإحباط.

وليس يخفى أنّ رئيس الحكومة ألح في أكثر من مرّة، على أهمية التشاركية إن كان في مستوى عمل الحكومة أو علاقته برئيس الدولة ولكنّه انتقد في نفس الوقت، تجاهل قائد «السبسي» لهذا المبدأ حين أطلق مبادرة قرطاج دون الرجوع إليه والاستماع إلى رأيه وهو الذي يتحمّل مسؤولية إدارة الحكومة. ولا يمكن التغاضي عن أهميّة المرجع القانوني في خطاب رئيس الحكومة فقد احتكم إلى الدستور فوضّح مدى التزامه بمراعاة طبيعة السلط وعلاقة الرؤساء بعضهم ببعض وعدّد طرق الخروج من الحكومة وأبان عن خياره ومبرراته إذ ظلّ الرجل متمسكا بالرجوع إلى البرلمان والخضوع للمؤسسات الرسمية.

وبقطع النظر عن طبيعة المبررات التي قدمها رئيس الحكومة ، والردود التي عرضها فإن خطابه كان متماسكا ورصينا وهادئا ومراعيا لأخلاقيات رجل الدولة ولعلنا لا نبالغ إن اعتبرنا أن هذا الخطاب أكثر نجاعة من خطاباته السابقة. ولئن عبر «الصيد» في أكثر من مرة، على وطنيته وتواضعه وحرصه على استمرارية الدولة فإنّه ظل كتوما غير راغب في ممارسة النقد الذاتي وفضح المستور. فهل يعود الأمر إلى حرص «الصيد» على الخروج «النظيف» من الحكومة دون السقوط في الإثارة ؟ مهما يكن الامر فإننا نذهب إلى أنّ الاستنتاجات التي نخرج بها من إدارة «الصيد» لهذه الأزمة تجمع في مسائل منها التحول من سياسة الرجل المهيمن الذي ينصب ويعزل متى يشاء إلى سياسة احترام ما جاء في الدستور من مواد تنظم العمل السياسي، ومنها أيضا أنّ «مبدأ» التوافق لا يمكن أن يحل محل الدستور والقوانين، ومنها أنّ زمن «التلاعب» بالمسؤولين لصالح المصالح الحزبية قد ولّى، ومنها...

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115