مراجعة المبادرة الرئاسية حول المصالحة الاقتصادية والمالية: جرائم الصرف وشروط العدالة الانتقالية

يجتمع اليوم وللمرة الثانية عدد من مستشاري رئيس الجمهورية مع رؤساء الكتل النيابية من أجل مواصلة النقاش حول مراجعة المبادرة الرئاسية المتعلقة بالمصالحة الاقتصادية والمالية.

سبق وأن انفردت «المغرب» بنشر الخطوط العامة لمراجعة مشروع القانون حول المصالحة الاقتصادية والمالية الذي تقدم به رئيس الجمهورية يوم 14 جويلية 2015 وأودع بعد ذلك في مجلس نواب الشعب... ولقد أثارت حينها هذه المبادرة معارضة العديدين بما في ذلك داخل الائتلاف الحاكم ذاته.. والنّقد الأساسي الذي كان موجها لذلك المشروع هو سعيه لإفراغ قانون العدالة الانتقالية من محتواه بعقد نوع من المصالحة «تحت الحائط» لا تفي بأدنى الشروط المنصوص عليها بصرامة بقانون العدالة الانتقالية لسنة 2013...
مصالح رئاسة الجمهورية سعت منذ عدة أسابيع إلى مراجعة هذا المشروع وأعدت لذلك مقترحا أوليا بــ 18 فصلا عرضته على الكتل النيابية وعدة خبراء وناشطين حقوقيين قصد مناقشته قبل عرضه بصفة نهائية على مجلس نواب الشعب من جديد...
ولقد علمنا أنه ستنعقد اليوم الجمعة 24 جوان جلسة ثانية بين بعض مستشاري رئيس الجمهورية ورؤساء الكتل النيابية لتعميق الحوار حول المقترح الرئاسي وإدخال التعديلات الضرورية عليه.

لقد سبق وأن قلنا بأن أهم التعديلات الواردة في المشروع الرئاسي الجديد تعلقت بتركيبة لجنة المصالحة في الباب الثاني فمن لجنة تغلب عليها الصبغة الإدارية ولا تتوفر فيها شروط الاستقلال والحياد والشفافية إلى لجنة خرجت من رقابة السلطة التنفيذية في تركيبتها (ثلاثة قضاة وخبير محاسب ومحام وناشط جمعياتي) وخاصة في رئاستها التي أوكلت إلى رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد العميد شوقي الطبيب.

ولكن هذه التحسينات التي لا ننكر لا تخفي نقائص عديدة في هذه المسودة أهمها احترام كل مقتضيات العدالة الانتقالية بالنسبة لكافة الإخلالات والجرائم التي ينبغي أن تتعهد بها اللجنة ومن بينها جرائم الصرف المتضمنة بالباب الرابع من هذا المقترح..

وللتذكير فإن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين عندما ردت جملة من فصول قانون الميزانية لسنة 2016 لعدم دستوريتها قد أوضحت في خصوص الفصل 64 من قانون الميزانية لسنة 2016 (والذي سعت فيه الأغلبية آنذاك إلى أن تقحم فيه فصولا هامة من مشروع قانون المصالحة) بأن جرائم الصرف فيها اعتداء على المال العام وبالتالي فهي تدخل ضمنيا داخل مشمولات العدالة الانتقالية وينبغي أن يتم فيها الصلح وفق شروط العدالة الانتقالية.. أي أن لجنة الصلح هي وحدها المخولة للنظر في هذا الصنف من المخالفات... بينما نرى في المبادرة الرئاسية الأولى وحتى في هذا المشروع المنقح نوعا من «العفو» الإداري على جرائم الصرف وإخراجها من دائرة العدالة الانتقالية كما ضبطها قانون 2013.. بل ونجد هذا حتى بالنسبة للموظفين إذ تتم تبرئتهم من جرائم الفساد المالي دون أن يتم إخضاعهم لكل مراحل العدالة الانتقالية من الاعتراف والاعتذار والمحاسبة فالمصالحة نهاية..

وهذا يفترض بطبيعة الحال التنصيص على وجوب الاعتذار الصريح من المخالفين بداية ثم التنصيص على إخضاع كامل الجرائم والمخالفات الواردة في هذا المشروع سواء تعلق الأمر بالموظفين أو برجال الأعمال أو بمخالفات الصرف إلى كامل إجراءات العدالة الانتقالية وإلى تحكيم لجنة المصالحة والحرص على أن يكون هذا التحكيم مستوفيا لكل شروط العدالة الانتقالية...

على كل حال نسجل بإيجابية كبيرة استعداد رئاسة الجمهورية لتعديل مشروعها الأول ودخولها في حوار جديد ومعمق مع جل مكونات الطيف السياسي في مجلس نواب الشعب وكذلك مع العديد من الخبراء المشهود لهم بالاستقلالية والنزاهة...
ولكن تبقى مسألة التنازع الممكن في الصلاحيات بين هذه اللجنة المزمع إحداثها في إطار هذه المبادرة التشريعية وهيئة الحقيقة والكرامة...

فالمطلوب هو تحقيق مناط العدالة الانتقالية وفق المواصفات الدولية بما يضمن حق المجموعة الوطنية، في هذه الملفات بالذات، أما لو تحولت هذه المبادرة إلى صراع جديد بين مختلف أجهزة الدولة فذلك هو المحظور الذي ينبغي تجنبه من الآن...

«المغرب السياسي»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115