فأثقال الحياة كثيرة، متعدّدة متنوّعة، كل يختار أثقاله كما تختاره جيناته وبيئته.. على كل ..
في مجتمع يعاني ثلثه من الاكتئاب والقلق، والثلث الآخر من الفقر المدقع والبعض الآخر يبحث عن حياة أخرى موازية في البلدان الأخرى، أجزم أنّ أغلب المواطنات والمواطنين سيختارون «الستر»، والستر بالمفهوم التونسي يعني أن لا يذلّ أي كان لأنه محتاج أو لأنه لا يملك مالا كافيا لقضاء حوائجه، (ويمكن أن نتدرج في معانيه وهذا الستر ليست موضوعنا)، ربما يُقصد بالستر الكرامة بكل بساطة، يعني أن لا يكون لك دين ما، ولا تضطرّ للعمل كالآلة حتى تؤمن حاجياتك الدنيا، أو تسدّد ديونك، أو تدفع الإيجار كي يأتي مالك بيتك.. لا نتحدّث عن الفواتير المبعثرة والأعياد المتتالية والعودة المدرسية والجامعية، والأسعار الجنونية.. وفي كل هذا تبحث عمّا «يستر» احتياجاتك ولا تحصل على ما تريد لأنّك في الزمن الخطإ، بل أنت في الزمن الصحيح فقط حظّك متعثّر جغرافيا وجدت نفسك في بلد جميل جدا، وخيراته متدفقة، غير أنّه يقتل الأحلام والأمل وتخبرك نشرات أخباره يوميا عن الكوارث التي تحدث هنا وهناك من هجرة غير شرعية ومجموعة من الثوّار الذين علّقوا صورة الرئيس..
ففي تونس لطالما كانت الأزمة تغذي أختها، ولطالما كانت الوازرة تزر وزر الأخرى، تنامت مشاعر الخذلان والإحباط العام، ولا نرى حلولا براغمتية أو استشرافية إلا تلك المسكنات المؤقتة الاتصالية لذر الرماد على العيون في واقع سياسي سريالي بامتياز.. الأزمات هنا وهناك، في الأخير هي أزماتنا جميعا وأزمات الأجيال القادمة، هي قصة وطن يبحث عن طريقه، وهي قصصنا جميعا، بشكل أو بآخر، في مجتمع محقون بالقهر والتسلّط، يتنفّسه أبناؤه بوعي أو بدونه، في جهاد عبثي يومي اكلينيكي، في الوقت الذي تُهدر فيه الطاقات والأحلام والأمال أو تتلاشى أو تهاجر أو تنسحب لتترك المكان قهرا لأولئك الذين تصيّدوا المجتمع والفضاء العام ..
إنّ الأمل الذي نحتاجه لا يكون فرديا، بل يكون جماعيا أو لا يكون، غير أنّ الأمل قرار سياسي أو لا يكون، ثم إنه قرار جماعي ولا يكون أحاديا، كما أنه ينبثق من خلال حوار حقيقي، لا شكلي. طبعا هذا الأمل الجماعي مفقود في مثل هذه الظروف، لأنّ تونس تدثّرت باللون الأخضر على حساب جميع الألوان.. ولا يمكن أن نعيش بلون واحد على كل حال..
قد لا تحتاج تونس إلى معجزة حتى ترمم ذاتها وتكون أكثر قوّة وعدلا وخلقا، تحتاج فقط إلى بوصلة ومشروع مجتمعي يستشرف المستقبل بالعقل والذكاء لا بالخطب البلهاء.. مشروع مجتمعي يعيد لنا مشروعية الحلم،.. يجعلنا مواطنين في حضرة وطن لا تموت فيه الأحلام ولا يختنق فيه الذكاء..
الأمل يعني الكثير.. يعني أن نؤمن فعلا بعقد مجتمعي يعيد مشروعية الحياة للآلات التي تحيا ولا تعيش.. يعني أن لا نطلب الكرامة بل تولد معنا بكل بساطة، يعني أن نقسّم الحرية وفقا لهوى السلطان، نتملّكها ببساطة، يعني أن يكون لنا الحق في تقرير الحياة التي نريد.. كما أنه يمنع اللامعنى، ويحرّر أي مقهور منكفئ على ذاته..