تتجاوز حركة النهضة مرحلة انكار تاثر الحركة بالفكر الاخواني واعتمادها على ذات الأدبيات في السبعينات، فقد أقرت بذلك على لسان رئيسها راشد الغنوشي في احتفالها بذكرى التأسيس يوم 6 جوان 2014.
ذلك التاريخ الذي اعلن فيه رئيس الحركة عن انتقال النهضة لمرحلة «التونسة» والانتقال من حزب «اخواني» إلى حزب وطني مدني عصري، أعلن هو عن ولادته في اختتام أشغال المؤتمر العاشر للحركة ماي الفارط.
الاعلان الذي جاء بالتشديد على أن النهضة انتقلت من خانة الإسلام السياسي الى الإسلام الديمقراطي، الذي حدد معالمه الغنوشي بأنه مرتبط بقضايا المواطنين الاقتصادية والتنموية، وتكّرر في حوار ادلى به لصحيفة الشرق الاوسط، قال فيه ذات العبارات.
بل انه ذهب ابعد من ذلك حينما شدد على أن حركة النهضة تطورت من حركة إسلامية شمولية إلى حزب مدني وطني متصالح مع الدولة والمجتمع. وانه بعد اقرار الهوية في الدستور الجديد لم يعد هناك مبرر لتسييس المساجد أو توظيفها حزبيًا.
النهضة الجديدة التي انتقلت من الاسلام السياسي الى الاسلام الديمقراطي، وهو الإسلام البديل عن التنظيمات الارهابية على غرار «داعش» والقاعدة، الاسلام الذي يتصالح مع الحداثة والديمقراطية ويهتم بمشاغل الشعب عبر «حزب مدني وطني وسطي مفتوح لكل التونسيات والتونسيات».
لكن هذا التصريح والتصريحات السابقة له تصطدم مع ميولات وقناعات مجموعة مؤثرة ووازنة في الحركة، من ابناء الجيل الثاني والثالث الذي عبر محمد محسن السوداني، عضو مجلس الشروى، عن قناعتهم بان الاسلام دين شمولي يقدم تصورا وقيما لكل تفاصيل حياة الإنسان وليس دينا بين الإنسان والله، وان النهضة حزب إسلامي لا تزال له ارتباطات ثقافية مع الإخوان المسلمين.
تصريحات تتناقض في ما بينها لتقدم الحركة على انها «حركتان» واحدة اخوانية والاخرى تقطع مع ماضيها نهائيا وهو التوجه الذي يتبناه رئيس الحركة راشد الغنوشي ويسوق له في الحركة وخارجها، ويراهن على تحقيقه مما يجعله امام حتمية مواصلة المواجهة التي بانت للعيان في اشغال المؤتمر العاشر للحركة.
الجدل والتجاذب الذي شهدته نقاشات المؤتمر كشفت لرئيس الحركة ان المناخ الداخلي لم ينضج بعد لتبني طرحه الجديد خصوصا وان الصف الاول من القيادات المحيطة به تعارضه اما برمته او في تفاصيل منه، وهو ما جعله مقتنعا بضرورة تغيير المشهد القيادي بصفة جزرية.
هذه القناعة عبر عنها في الحوار الذي ادلى به، بقوله ان التغييرات التي ستشهدها الحركة خلال اشهر الصيف القادم ستكون «شاملة» وستطال قيادات النهضة وهياكلها، وتطبيق قرار الفصل بصفة كلية بين الدعوي والسياسي.
تطبيق يبشر راشد الغنوشي بالدخول فيه باستقالة الحبيب اللوز من عضوية مجلس الشورى للتفرغ للعمل الدعوي، ولكنه يدرك ان الخصم الفعلي لطرحه ليس الجيل الاول الذي رافقه وإنما الجيل الثاني والثالث المرشح لتقلد مناصب في المكتب التنفيذي ورئاسة مجلس الشورى.
هذا الجيل الذي يبدو أن الغنوشي ادرك ان تحييده دون الصدام معه هي الطريقة المثلى للانتقال الفعلي بحركته إلى الإسلام الديمقراطي والقطع مع فكر «الجماعة»، وهي مناورة سيعتمد فيها الغنوشي على الصلاحية الجديدة التي مررت في المؤتمر وهي التصويت على اعضاء المكتب التنفيذي (الذين سيقترحهم) باغلبية من حضر وليس بالاغلبية المطلقة التي تشترط الحصول على 76 صوتا.
الغنوشي وبهذه الإمكانية وبثقله المعنوي في الحركة سيعمل على ترك «ارثه» المتمثل في تثبيت المفهوم الذي اصله ونظر له «الاسلام الديمقراطي» ليكون في ذلك وهو يودع حركته قد بات في مصافي المحدثين في التيار الاسلامي.