بهذه الكلمات وصف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ما حدث يوم امس في مدينة بن قردان من ولاية مدنين، التي شهدت مواجهات فجر الاثنين 7 مارس 2016 واستمرت الى غاية كتابة المقال. هجمات انطلقت قبل حلول الساعة الخامسة صباحا، باستهداف ثكنة عسكرية ومركزي حرس ومركز شرطة.
وقد انطلقت هذه الهجمات المتزامنة في حدود الساعة الرابعة و50 دقيقة صباحا، نفذتها مجموعات ارهابية لم يحدد عددها بعد، قسمت نفسها على فرق كلف كل منها بتنفيذ جزء من المخطط الارهابي الذي هدف وفق المؤشرات الاولية الى السيطرة على المدينة من قبل الجماعات الارهابية.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف، الذي يبدو انه خطط له منذ فترة، وقع استهداف الثكنة العسكرية ومجمع أمني، يضم منطقة الحرس الوطني و ثكنة أمنية و مبيت لأعوان الأمن باستخدام اسلوب المباغتة، الذي انطلق بقطع التيار الكهربائي، وعقبه استخدام قذائف « آر بي جي»، تمهيدا لاقتحام المنشأة العسكرية والأمنية. ولم يقتصر الهجوم عند هذا الحد بل شمل نشر كمائن خارج المدينة على الطرقات الرابطة بينها وبقية المدن بهدف منع وصول التعزيزات العسكرية والأمنية لبن قردان.
لكن هذا المخطط الذي شارك فيها عشرات من الإرهابيين قتل 36 منهم والقي القبض على 7 اخرين وهي الحصيلة الاولية لحدود الساعة السادسة مساء من يوم أمس فشل منذ انطلاقه والفضل في ذلك «للجاهزية» التي ابدتها الوحدات العسكرية والأمنية المستهدفة.
فقد تمكن الجيش والأمن التونسي من التصدي للهجمات المباغته وقتل عددا من منفذيها قبل اجبار البقية على الهروب والاختفاء بعض منهم في منزل وقعت محاصرته والاشتباك مع الارهابيين المتحصنين به (انظر مقال هجوم مجموعات إرهابية على مقرات أمنية وعسكرية في بن قردان).
وفي انتظار الاعلان الرسمي عن انتهاء المواجهات في بن قردان وما سيسفر عنه التحقيق مع المقبوض عليهم من الإرهابيين يمكن الانطلاق ممّا صرح به رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بان الارهابيين حاولوا السيطرة على المدينة وإعلانها إمارة.
تحديد هدف الهجمات الارهابية الفاشلة بأنه بسط سيطرة على المدينة وإعلانها إمارة ترجح المعطيات والمؤشرات الأولية كعدد من نفذ الهجمات الإرهابية وفق المؤشرات يتجاوز العدد 40 شخصا بكثير، فالقضاء على 36 والقبض على 7 اخرين يبين ان عدد الارهابيين كان بالعشرات.
وهذا العدد يكشف ان نوايا الارهابيين لم تكن تنفيذ عمليات ارهابية والانسحاب من المدينة بقدر كشفه لمخطط يهدف للسيطرة عليها من قبل هؤلاء ومخطط السيطرة يتضح اكثر من طبيعة المواقع المستهدفة بهجمات مباغتة ومتزامنة، ثكنة عسكرية ومجمع امني.
فالمجموعات الإرهابية التي يبدو انها تضم ابناء من الجهة اضافة الى وافدين اليها من خارجها ومن خارج تونس، خطط لمباغتة العسكريين والأمنيين في وقت مبكر بهدف تصفيتهم وجعل المدينة دون حماية امنية او عسكرية من داخلها، تمهيدا للسيطرة عليها.
هذا المخطط الذي يبدو من المؤشرات الاولية انه تضمن تصفية كل من يمثل تهديدا للمجموعات الإرهابية وبسط السيطرة على المدينة، التي يدرك الارهابيون انها لن تكون دائمة بقدر ما هي ظرفية تستعرض قوة الارهابيين.
فشل المخطط الذي كان مختلفا عن بقية مخططات الإرهابيين اجبر هؤلاء على الانسحاب والدخول في مواجهات مع الامن والجيش انتهت بمقتل اغلبهم (36 ارهابيا في المواجهات التي تمت بعد فشل اقتحام المقرات الامنية والعسكرية). وكشف عن كميات من الاسلحة المخبئة في اكثر من موقع بالمدينة.
هذه المؤشرات العدد السلاح التوقيت، تعيد الى الاذهان اسلوب تنظيم «داعش» الارهابي في تنفيذ هجوماته على مدن في العراق وسوريا، وكيفية استهدافه للجيش والأمن في المدينة وإخلائها منهم تمهيدا لبسط نفوذه عليها وعلى القاطنين بها الذين يمثلون بالنسبة للتنظيم دروعا بشرية تحميهم من هجوم عسكري كاسح.
هذا السيناريو الذي فشل في اولى خطواته، بتصدي قوات الجيش والأمن للإرهابيين رغم الشهداء من المؤسستين ومن المدنين، قام على الاستنجاد بعناصر من المدينة كانت من بين مهامها مراقبة مواقع المستهدفة وجمع المعطيات عنها، اضافة الى عناصر وفدت من ليبيا، فمن بين القتلى كان هناك ثلاثة من المطاردين على خلفية الاحداث التي عاشتها بن قردان الاسبوع الفارط وتسلل 4 سيارات من الحدود التونسية الليبية الى المدينة.
وفي انتظار ان تنتهى العمليات في المدينة وان تعلن الجهات الرسمية عن رواياتها يمكن القول اليوم ان الحرب على الارهاب شهدت تطورا في المعالجة العسكرية والأمنية وان الوحدات المكلفة بهذه الحرب باتت اليوم مستعدة لكل مفاجأتها.
رئيس الحكومة الحبيب الصيد:
الهدف من هجوم بن قردان كان إحداث «إمارة داعشيّة»
قال رئيس الحكومة الحبيب الصيد ان الهجمات التي قامت بها المجموعات الارهابية أمس الاثنين بمدينة بن قردان كانت متزامنة والهدف منها زعزعة الامن والاستقرار واقامة «امارة داعشية» في هذه المنطقة وشدّد على ضرورة الإلتزام بإحترام حظر التجوّل لتسهيل عمل القوات الامنية والعسكرية. وذكّر في كلمة توجه بها الى الشعب التونسي بأنه قد تم اتخاذ اجراءات للتغلب على الارهابيين وللتوقي وأخذ الاحتياطات اللازمة لمجابهة الفرضيات الممكنة مستقبلا من ذلك قرار فرض حظر التجول في بن قردان من الساعة السابعة مساءا الى الخامسة صباحا والذي سيُطبق بصرامة. وأضاف الحبيب الصيد أنه بفضل تضافر جهود قوات الامن والجيش الوطنيين والتنسيق بينهما والتناغم في عملهما وردّة فعلهما السريعة تم القضاء على العديد من الارهابيين وأسر عدد منهم ودعا كافة مواطني الجهة الى دعم القوات الامنية والعسكرية بالالتزام باحترام حظر التجول وبين أنه سيتم القيام بعمليات أمنية فى كامل مدينة بن قردان لمزيد التثبت من وجود ارهابيين من عدمه.
اجتماع طارئ دعت له حركة النهضة:
هيئة التنسيق والتشاور تقرّر إرسال وفود سياسية وبرلمانية الى بن قردان
بدعوة من حركة النهضة عقدت هيئة التنسيق والتشاور لأحزاب الإئتلاف الحاكم أمس 7 مارس 2016 إجتماعا طارئا بمقر حزب الإتحاد الوطني الحر بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مدينة بن قردان ودعت الأحزاب والمنظمات الوطنية وعموم المواطنين إلى تنظيم مسيرات جهوية خاصة في بن قردان ومسيرة وطنية ترفع الراية الوطنية من أجل تونس وضد الإرهاب وعصاباته وجرائمه. ووفق نائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي فقد قرّرت تنسيقية الأحزاب المشاركة في الحكومة تشكيل وفود سياسية وبرلمانية لزيارة بن قردان وإعلان «كلنا بن قردان» تأكيدا لتضامن الشعب التونسي مع الجهة وقد تم تشكيل لجنة مصغّرة تضمّ ممثلا عن كل من الأحزاب الاربعة لترتيب التحركات والمسيرات وتفاصيل الوفود السياسية والبرلمانية التي ستتحوّل الى بن قردان. وأكد الجلاصي ان التنسيقية إعتبرت الهجوم الإرهابي محاولة فاشلة من العصابات الإجرامية في الإستيلاء على مقرات سيادية أمنية وعسكرية وديوانية وهو يمثل تطورا نوعيا في استراتيجية الإجرام الإرهابي وإنتقالهم الى مرحلة اخرى .