وكيف سيبلُغنا شعرك ساعتها؟ للحظة خلت أنني سأعود إلى عادتي القديمة في قراءة الكتب والدواوين من آخر صفحة.
يقولون: الشاعر لا يموت. هو من سلالة المرسولين الذين تظلُّ الأرباب والآلهة تبعثهم كأنما تفاوض بهم الناس على إنسانيتهم ما تكون وكيف تكون وبماذا تكون. ولكن الناس قد تعوّدوا أنهم كلّما جاءهم رسول أمعنوا في السؤال وأمعن الرسل في الذهاب والإياب وأمعن الأرباب في الإرسال وإعادة الإرسال. قلت إذن : لا شك أن صاحبي سيغيب هنيهة ثم يعود بكتاب من الآلهة جديد.
تذكرت أن الذهاب ليس قدرا وأن الذاهبين كثيرا ما يَستمهلون : هذا يمنّي النفس ببقية ذنوب لم يقترفها بعد .. أو بطيب أشربة لم يذقها، وذاك يترجى من خليله البقاء خوفا عليه من الليل وانتشار الظلام .. وقلت في نفسي: سأرجوه أن يبقى وأُغريه بأسئلة لعله يؤجّل رحيله حتى يجيبني عنها .. ثم قلت قد تنتهي أسئلتي: سأكدس عليه إذن أسئلة الجيل وأسئلة الزمان .. ألسنا نتفاوض؟ لا رحيل يا صديقي إذن قبل أن تجيب عن أسئلتي .. قل لهم إذن .. ألست مبعوثهم ومفاوضهم ؟ قل لهم : إنهم يقولون لي لن نتركك ترحل إلا أن إذا أجبت عن أسئلتنا.
وأَعِدك يا صاحبي أن أعسّر الأسئلة عليك حتى يطول بنا المقام .. مقامنا يا صديقي مقام ألف سؤال وسؤال .. وكلّ سؤال منها بسبعين لسانا .. فهل ترحل يا صديقي ولم تأتنا أجوبتك بعدُ.
وأنا أحاورك يا منصف تذكرت رجاء تلميذي يسوع وهما يحاورانه في إنجيل لوقا: «ولما قربوا من القرية عمّاوس تظاهر أنه ماض إلى مكان أبعد فألحّا عليه وقالا: «امكث معنا، فقد حان المساء ومال النهار إلى مغيب».