وقد نجح في ترسيخ هذه الصورة بما حال دون ان ينظر الى فعله وخطابه على انه فعل «سياسي» له محركاته ومطامعه. من ذلك حروب الرئيس وآخرها حربه على الاحتكار.
في لقائه بوزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي بن حمزة حرص رئيس الجمهورية على ان يعلن حربه على الاحتكار والمضاربة بشكل مباشر وصريح عبر توجيه تعليماته للوزيرة بان تكون حازمة وان لا تأخذها في حربها على الاحتكار «لومة لائم»، خاصة وان البلاد تعيش منذ ايام على وقع فقدان عدد من المواد والبضائع.
مواد وبضائع عددها الرئيس ومنها الحليب والحديد والدواء وبضائع اخرى قال انها اختفت من الاسواق بشكل مفاجئ. واعتبر انها سحبت من السوق بفعل فاعل يريد ان يخلق ازمة في البلاد لمجابهة الخيارات السياسية الجديدة وذلك ما يفهم من قوله «انهم يريدون اختلاق الازمات لإداراة الازمات».
وهذا يستوجب من الدولة ان تتدخل خاصة إذا تعلق الامر بالمواد الأساسية. هنا وجه تحذيره لجهات لمن يسمها ليطالبها بان ترتدع وإلا فانه سيطبق عليها القانون كما انه دعا التونسيين والتونسيات ليكونوا في مستوى اللحظة التاريخية.
عند هذا المستوى من الخطاب يبرز الرئيس انه عاد لحربه على «الاحتكار والمضاربة» وانه يعمل مع حكومته على التحكم في الاسعار وتوفير مواد اساسية من غذاء ودواء ومواد بناء اعتبر أنها اختفت من السوق في سياق مؤامرة لا لاختلال وعجز المنظومات الخاصة بهذه القطاعات او لتداعيات الازمة المالية على عمليات التوريد والتزود من قبل مؤسسات عمومية.
حصر الازمة على انها بفعل تحالف بين المحتكرين والمضاربين من جانب والسياسيين من جانب اخر عنصرا من عناصر الخطاب الرسمي للرئاسة المراد به خلق واقع وترسيخه على الارض قوامه ان كل ما يحدث من ازمات وخلل سببه «الفساد» الذي تقع مقاومته بالقانون، وسيطبق على الجميع خاصة أولئك الذين يبحثون عن التنكيل بالشعب.
هذا العنصر يهدف إلى ترسيخ صورة عمل عليها الرئيس منذ اشهر عديدة، قوامها انه في حرب مفتوحة ضد «المنظومة» التي تستعمل التونسيين للتنكيل بهم والاختفاء وراءهم لمجابهة الرئاسة، وأن تحرير التونسيين من بطشها سيكون «صادقا» وأنه لن يخفى عن التونسيين أي شيء من ذلك حقائق الوضع الصعب الذي تمر به البلاد على غرار خلو خزائنها من المال.
إذا وقع النظر للخطاب على انه خطاب رجل سياسي لا كما دأبنا على النظر للخطابات على انها من خارج عالم السياسة، سيتضح بشكل جلي انها تحمل في طياتها اكثر من مجرد اعلان حرب، بل هي تهيئة للشارع التونسي لحزمة اصلاحات موجعة ستأتي قريبا على ما يبدو.
إن الرئيس وهو يستأنف حربه على الاحتكار والمضاربة هدفه الأساسي تحقيق منجز يشترى به «ودّ الشارع» وهو ما تكشفه المهلة التي قدمها للمضاربين بان يعدلوا الاسعار ويوفروا البضائع والا سيطبق القانون ويصدر المراسيم، فالاهم للرئيس سرعة تحقيق المنجز لا اصلاح منظومة التوزيع والإنتاج والتزود.
هذا الحرص على «نجاح» هو فعل سياسي يخفى امرا وحيدا مرجحا وهو توفير ارضية تسمح بتمرير سياسات غير شعبية، وفي الوضع التونسي ينحصر الامر في الاصلاحات الكبرى. فالبلاد باتت امام حتمية الاصلاح في ظل ازمتها المالية التي لن تغادرها الا بدعم دولي بات بشكل صريح مقترن الانطلاق في تنزيل الاصلاحات الهيكلية الكبرى على الارض.
ادراك هذا يعنى ادارك المعضلة الفعلية التي تواجه رئيس الجمهورية. اي ان رفض تنزيل الاصلاحات التي ستشمل التحكم في كتلة الاجور او مراجعة سياسات الدعم لن يقف عند حد بل ستكون اشمل وتذهب ابعد بما يهدد مشروع الرئيس السياسي.
تهديد لا يمكن احتواؤه الا بضمان الشارع الذي يؤخذ «انطباعه» بعين الاعتبار من قبل الرئاسة.
حروب رئيس الجمهورية : العودة إلى ملف الاحتكار لتمرير الإصلاحات
- بقلم حسان العيادي
- 10:30 26/11/2021
- 801 عدد المشاهدات
يعتمد رئيس الجمهورية على الصورة الذهنية التي سوقها عن نفسه كرجل قادم من خارج عالم السياسة وأدرانه.