خاص: نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية - أكتوبر 2021

في التشريعية: استقطاب ثنائي حاد بين الدستوري الحرّ و «حزب قيس سعيّد»
• 66،1 ٪ لا يدلون بنوايا تصويتهم
• كيف نفهم «حزب قيس سعيّد» ؟
في الرئاسية: مرّة أخرى قيس سعيّد بلا منافس
• 19 ٪ لا يدلون بنوايا تصويتهم

سبر آراء نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية لشهر أكتوبر 2021 الذي أنجزته مؤسسة «سيغما» بالتعاون مع جريدة «المغرب» يكشف لنا عن أمرين اثنين : استقطاب ثنائي حاد بين الحزب الدستوري الحرّ ، الذي مازال يتصدر نوايا التصويت ،مع ما يسميه المستجوبون بـ»حزب قيس سعيد» (%32.2 للأول مقابل %30.7 للثاني،أما في الرئاسية فما زال قيس سعيد يحلق عليا فوق الجميع بنوايا تصويت شبه اجماعية : %89.4 .
سنحاول هذه المرة تفكيك فكرة «حزب قيس سعيد» وهل تخفي أنها وراءها تعلقا بالشخص أم انخراطا فعليا مشروعه السياسي «البناء القاعدي»؟
التونسي لا تستهويه كثيرا الانتخابات التشريعية،فحوالي ثلثي العينة (%66.1) لا يعبرون عن نوايا تصويتهم حتى وإن تراجع هذا العزوف الكبير بأربع نقاط مقارنة بشهر سبتمبر الفارط .
مازال الحزب الدستوري الحرّ يتصدر نوايا التصويت بـ%32.2 حتى وإن تأخر بنقطتين مقارنة بشهر سبتمبر الماضي إلا انه تقدم على مستوى عدد الناخبين المفترضين بحوالي 55.000 صوت مفترض إضافي نظرا لتراجع نسبة عدم الإدلاء بنوايا التصويت وهو يحصد – نظريا دوما – حوالي 774 ألف صوت مقابل 718 ألف في الشهر الماضي،ولكن هذا التقدم أضحى اليوم مهددا بـ»الزحف» المتواصل لما يسميه المستجوبون «حزب قيس سعيد» الذي يحصل على %30.7 من نوايا التصويت بحوالي 738 ألف صوت مقابل %26.1 من نوايا التصويت و550 ألف صوت مفترض في شهر سبتمبر الماضي.
نؤكد هنا مرة أخرى أننا نجمع الأجوبة التلقائية للمستجوبين وأننا لا نقدم لهم اقتراحات لا في التشريعية ولا في الرئاسية كذلك .
ونحن نتفهم استغراب مواطنين ومتابعين للشأن العام من إدراج اسم «حزب « لا وجود قانوني ولا حتى مادي له ولكن إلغاء هذه النتيجة التلقائية أو احتسابها ضمن خانة «أحزاب أخرى» تكون عملية غير نزيهة ومشوهة لعملية سبرا آراء نواي التصويت ومحرفة للواقع الآني الذي تسعى لبسطة كما هو أولا ولمحاولة فهمه ثانيا .
• ما معنى «حزب قيس سعيد» ؟
ما دمنا نتحدث عن حزب لا وجود له لا قانونا ولا واقعا، «حزب قيس سعيد» قد يكون من المفيد الوقوف عند الرسالة التي يوجهها التونسيون من خلال إعلانهم عن الرغبة للتصويت لهذا الحزب المفترض ..
«حزب قيس سعيد» كان موجودا في أذهان بعض التونسيين منذ بداية سنة 2019 ،أي قبل الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها ولكنه كان دوما في حدود %2 أو %3 من نوايا التصويت وحتى بعد فوز قيس سعيد بالرئاسية والارتفاع غير المسبوق لنوايا التصويت لفائدته بعد ذلك في كل عمليات سبر الآراء إلا أن حزب قيس سعيد» ظل هامشيا عند التونسيين إلى حدود 25 جويلية 2021 وتفعيل رئيس الدولة للفصل 80،وفق قراءته المتوسعة جدا له،بعد ذلك ظهر «حزب قيس سعيد «بقوة في كل عمليات سبر آراء نوايا التصويت وهو يتقدم بكل سرعة من شهر إلى آخر إلى أن أضحى يزاحم الدستوري الحر المتصدر بوضوح في هذا المضمار منذ حوالي سنة ونصف ، على المرتبة الأولى تاركين وراءهما عن بعد أكثر من عشرين نقطة حركة النهضة بـ%9.5 وهي التي كانت تمثل إلى حدود 25 جويلية الفارط العمود الفقري للتحالف الحكومي الذي أطاح به رئيس الدولة .
قد يبدو هذا الصعود الصاروخي مفاجئا للعديدين ولكنه منطقي وطبيعي للغاية فالرئيس المنتخب بنسبة عالية في الدور الثاني لم يكن المركز الأساسي للحكم إلى حدود ثلاثة أشهر خلت ولكنه أضحى بعدها هو المركز الوحيد للحكم وجمع في يديه كل السلطات فكان من الطبيعي أن يحصل حد أدنى من التماهي بين الشعبية القوية جدا لصاحب قرطاج وبين ما يفترض أن يكون القوة الداعمة له في المشهد الحزبي ..
ماذا يعني «حزب قيس سعيد» الآن ؟
هو يترجم ببساطة منسوب الثقة المرتفع في قيس سعيد الشخص الفرد والاستعداد للتصويت لحزب ما إذا ما تأكد الناخبون غدا انه حزب قيس سعيد لحما ودما وهذا يعني انه أمام تحويل هذا المنسوب الكبير في التشريعية إلى تصويت فعلي في انتخابات تشريعية قادمة صعوبات جمة أهمها رفض صاحب قرطاج لمنظومة الأحزاب من أساسها وعدم رغبته – إلى حد الآن على الأقل – لإنشاء حزب هذا من جهة ومن جهة أخرى التنافس الذي سيزداد حدة بين كل من يدعي وصلا بالرئيس بمشروعه بما قد يدخل الكثير من البلبلة غدا في أذهان الناخبين ..
ولعل الأهم في كل هذا أن الثقة الكبيرة في قيس سعيد ولاستعداد للتعبير عنها في انتخابات تشريعية قادمة إنما هي مرتبطة بشخص الرئيس ولا شيء يدل – يوما إلى حد الآن – أنها ستتحول بصفة ميكانيكية إلى حزب تكون إيديولوجية «البناء القاعدي الجديد « ولعل هذا ما يفسر عدم إقدام رفاق قيس سعيد إلى إنشاء حزب بالمعنى المتعارف عليه لا لرفضهم لمنظومة الأحزاب فقط بل ولخوفهم كذلك من تبخر أجزاء هامة من هذا الانخراط التلقائي الذي يعبر عنه مفهم «حزب قيس سعيد».
الواضح على كل حال وجود طلب سياسي جديد لكن العرض السياسي لم يبلور بعد ولم يدخل بصفة فعلية في المعترك السياسي الحزبي .
• الحزب الدستوري الحر و«حزب قلب قيس سعيد» واقتسام مناطق النفوذ
لو أخذنا بعين الاعتبار هامش الخطإ الأقصى في هذه الدراسة (%2.2) لقلنا بان الحزب الدستوري الحرّ و»حزب قيس سعيد» يكادان يتساويان في الوزن الانتخابي اليوم وان كل حزب واحد منهما يحصل اليوم على حوالي ثلث نوايا التصويت المصرح بها ، ولكن هذا التساوي العام يخفي اختلافات جوهرية بين قاعدتهما الانتخابية.
• جهويا مناطق القوة للدستوري الحرّ هي تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس) والوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية ) والى حد ما الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) وصفاقس والجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) كذلك، بينما يتفوق «حزب قيس سعيد» بوضوح في الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين ) والجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) وكان خارطة تونس مقسومة بالطول،الشرق (المناطق الساحلية) للدستوري الحرّ والغرب (المناطق الداخلية) ل»حزب قيس سعيد «
• جندريا لا فرق يذكر بين هذين «الحزبين» وحظ كليهما من القاعدة الانتخابية النسائية يتناسق مع معدليهما على المستوى الوطني .
• اجتماعيا الفارق واضح وجلي بين الاثنين فالطبقة المرفهة والطبقة الوسطى العليا تصوت أساسا للدستوري الحرّ بينما تصوت الطبقة المتوسطة السفلى والطبقة الشعبية بوضوح لـ»حزب قيس سعيد «..
• جيليا نجد نفس التقسيم كذلك : الشباب (18-25 سنة) وصغار الكهول (26-44) هم في صف «حزب قيس سعيد» أما الكهول (45-59 سنة) ومن تجاوزوا الستين فإن هواهم مع الدستوري الحرّ .
• نفس الانقسام نجده على المستوى المعرفي إذ ينوي التصويت بكثافة لـ»حزب قيس سعيد» الأميون وذوو مستوى التعليم الابتدائي بينما يكون الوضع على عكس ذلك تماما عند أصحاب مستوى التعليم الجامعي ويتساوى الحزبان عند أصحاب التعليم الثانوي ..
نحن أمام تباين سوسيولوجي واضح تلعب فيه التناقضات الجهوية والاجتماعية والجيلية والمعرفية دورا واضحا .
تجد اليوم تونس الهوامش وتونس المهمشة نفسها في عرض سياسي جديد مازال مبهما ولكنها ترى في قيس سعيد المُخَلّص الممكن لها من حلقات التهميش المتظافرة التي تعمل على أبعادها من الشراكة الفعلية في المواطنة بينما ترى تونس المندمجة إلى حد كبير في الدورة التنموية اقتصاديا واجتماعيا ومعرفيا ان الخلاص يكمن في الحزب الدستوري الحرّ باعتباره الوريث الأساسي للدولة الوطنية ولمكتسباتها ..
هذا هو في اعتقادنا الدرس الأهم والأبرز في عملية سبر آراء نوايا التصويت وكل ما سوى ذلك تفاصيل على أهميتها .
... والبقية
هنالك دون شك مشهد سياسي جديد بعد 25 جويلية يمثل الصعود الصاروخي لـ»حزب قيس سعيد» أحد أهم ملامحه مع مواصلة الحزب الدستوري الحر لعب دور أساسي فيه .
من الجهة الأخرى اندثر حزب قلب تونس بصفة شبه نهائية ونزل في نوايا التصويت تحت %3 كما تراجعت حركة النهضة بشكل حادّ مرة أخرى وخسرت نقطتين ونصف في شهر واحد لتنزل من %12.1 في سبتمبر إلى %9.5 في شهر أكتوبر الجاري والسؤال إلى أي حدّ سيتواصل هذا النزول ؟ وهل أننا إزاء تراجع نهائي وحاسم أم أن الحركة الاسلاموية ستسترد بعض أنفاسها بعد مرور العاصفة ؟ أسئلة قد نجد الإجابة عنها في الأشهر القليلة القادمة .
حليفا الأمس ، حركة الشعب والتيار الديمقراطي ،يواصلان الصمود كذلك تبادل المواقع بينهما (%6.7 لحركة الشعب و%3.6 للتيار ) كما أن ائتلاف الكرامة ،صاحب المرتبة السادسة هذا الشهر بـ%3.4 لم يلق بعد كل أسلحته .
هذا هو المشهد الجديد على الساحة الحزبية وهو مشهد متحول لم يبح بعد بكل أسراره.
• نوايا التصويت في الرئاسية : %89.4
لقيس سعيد
في نوايا التصويت في الرئاسية لا وجود لمنافسة ما لصحاب قرطاج الذي يواصل ،للشهر الثالث على التوالي تحقيق أرقام قياسية شبه اجماعية بـ%89.4 وبعدد ناخبين مفترض يتجاوز 5 ملايين نسمة ! أمام عبير موسي صاحبة المرتبة الثانية بـ%3.5 من نوايا التصويت وبحوالي مائتي ألف ناخب .
لاشك أن هذه النسب الخيالية لرئيس الجمهورية مدعوة حتما للنزول خاصة عندما سيتم تحميله كل مشاكل وإخفاقات الأشهر القادمة مادام الحاكم الوحيد والفعلي للبلاد،ولكن مسافة الأمان التي يملكها اليوم تسمح له،تقريبا،بفعل كل شيء،ولكنها تحمله مسؤولية ثقيلة للغاية إذ يبدو للكثيرين اليوم وكأنه الفرصة الأخيرة للبلاد ..
في الأسابيع القليلة القادمة سيضطر رئيس الدولة إلى اتخاذ جملة من القرارات التي تتعلق خاصة بميزانية السنة القادمة وسوف نرى هل أن الحلول التي سيقترحها ستعمق هذه الشعبية أم أنها ستنال منها كثيرا وهل انه سيعمد فعلا إلى الإصلاح أم سيسعى إلى الحفاظ على شعبيته، وبالتالي إمكانية انتخابه مجددا مهما كانت الكلفة ومهما كان الثمن ..
تحولات المشهد السياسي التونسي لن تقف عند هذا الحد وستكون التحديات الاقتصادية والاجتماعية القادمة على عجل أحد أهم عناصر التغيير فيها ..

الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 2002 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2،2.
• تاريخ الدراسة: من 14 إأكتوبر لى 18 أكتوبر 2021

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115