المؤرخ الحبيب القزدغلي لـ«المغرب»: موسوعة اليسار التونسي ستكون تتويجا لمشروع مائوية انبعاث الحركة الشيوعية

يحتفي اليسار التونسي على امتداد السنة الحالية بمائوية انبعاث أول نواة شيوعية بالبلاد التونسية سنة1921. هذا الحدث التاريخي

كان منطلقا لمشروع بحثي أطلقته مؤسسة روزا لوكسمبرغ من خلال مكتبها للتعاون الأكاديمي بتونس بالشراكة مع مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة الذي يديره المؤرخ والعميد السابق الدكتور الحبيب القزدغلي .
«المغرب» التقت مع الأستاذ القزدغلي في هذا الحوار الذي حدثنا فيه عن أهم محاور وأهداف مشروع إحياء مائوية الحركة الشيوعية في تونس، معلنا في نفس السياق عن اطلاق موسوعة رقمية تعنى بتاريخ اليسار التونسي كتتويج لهذا المشروع البحثي.

• من المرتقب أن يتوج مشروع مائوية الحركة الشيوعية في تونس الذي اشتغلتم عليه منذ بداية العام الجاري باطلاق موسوعة في شكل منصة رقمية تعنى بتاريخ وذاكرة اليسار التونسي. هل من تفاصيل أكثر حول هذا المولود البحثي المنتظر ؟
مشروع الموسوعة سيكون امتدادا لما تم انجازه بمناسبة احياء مئوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية (1921 - 2021) الذي انطلق في شهر مارس الماضي والذي ستتواصل فعالياته في عدة جهات خلال بقية سنة 2021 اذا ما توفرت الشروط الصحية. لذلك فبعد جندوبة ومنزل بورقيبة وتونس العاصمة (في شهر مارس 2021 ) من المنتظر أن يتمعقد لقاءات أخرى في شهر أوت القادم في كل من قليبية والحمامات بعد تعذر القيام بذلك في شهر جويلية الحالي . أما بقية الأنشطة فهي مبرمجة بعد انطلاق السنة الجامعية المقبلة في كل من سليانة وقفصة وسوسة وجربة وقابس.
لقد بينت الشهادات المسجلة والتي هي بصدد البث بمعدل شهادتين كل أسبوع على الصفحة الرسمية في الفايسبوك لمكتب التعاون الأكاديمي بمؤسسة روزا لوكسمبروغ بتونس وجود كم هائل من الذكريات والمسيرات الفردية المغمورة في صدور أصحابها وهو ما يتطلب مواصلة عمليات تسجيل الشهادات حتى تشمل أكبر عدد من الفاعلين من مختلف الأجيال ومن مختلف الجهات ومع السعي الى ترك أوسع مجال للحضور النسائي.
كما أن المعرض الوثائقي الذي أقيم بالمناسبة ورغم أهمية الوثائق النادرة التي تضمنها تبين أنه لا تزال وثائق عديدة مغمورة وجب تشجيع أصحابها على تقديم نسخ منها أما الأبحاث التاريخية المقدمة خلال الملتقي التاريخي الدولي المنتظم في مدينة الثقافة في شهر مارس الفارط فقد تبين أيضا أنه لا تزال جوانب عديدة غير مدروسة من تاريخ اليسار الممتد على قرن من الزمن وهو حتم التفكير في مواصلة العملية عبر مشروع الموسوعة التي ستكون بمثابة المنصة الافتراضية والمتواصلة.هذه المنصة الرقمية ستكون بمثابة الخلية البحثية التي ستثرى بصفة متواصلة عبر كل الاضافات الجديدة ضمن ارث الحركة الشيوعية واليسار عموما.

• كيف ترى دور الجامعة والبحث الأكاديمي في علاقة بمبحث اليسار التونسي في الماضي القريب والبعيد وحتى في الزمن الراهن؟
ان الخيط الرابط بين اليسار والجامعة هو العمل على تطوير المجتمع لذلك من الطبيعي أن يهتم البحث الجامعي بمصير القوى الاجتماعية التي تنشد التغيير مثله.
لكن هذا التشارك في الأهداف لا يعني تخلي كل منهما عن خصوصيات فالتزام الجامعي هو قبل كل شئ هو انتصار للمناهج الأكاديمية وجعلها أدوات ثابتة لفهم تحولات المجتمع. أما اليسار يندرج في العمل السياسي الذي يبحث على توحيد القوى وتعبئتها من أجل انتصار قيم العدالة والرقي والرفاه الاجتماعي والمساواة بين الجنسين.

• وماذا عن مستقبل اليسار في تونس في ظل منعطف اليمين وصعود الشعبوية لاسيما من منظور ماهو مطلوب من القوى اليسارية حتى تلعب دورها التاريخي خاصة إزاء التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحارقة والتي باتت تهدد حتى مكتسبات الدولة الوطنية التي ساهم اليساريون بمختلف روافدهم في بنائها ؟
لا يمكن أن يكون من أهداف الباحث في مجال التاريخ والعلوم الإنسانية عامة أن يطرح نفسه ليكون مسيرا للحركات السياسية أو اعطاء الدروس. ولكن ما يقوم الباحث من اعتماد المناهج والمقاربات النقدية انطلاقا من تجميع وتوثيق التجارب والدراسات الميدانية والقيام بالمقارنات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجتمع وظروفه يمكن لأهل اليسار الاستفادة منه في بناء مشاريعه وخططه خاصة وأن التركيز على الأهداف الاجتماعية لم يعد حكرا على اليسار فالحركات الشعبوية وحركات الاسلام السياسي أصبحت تعتبر هي أيضا الطبقات الاجتماعية السفلى والأحياء الشعبية والأرياف جزءا أساسيا من خزانها الانتخابي وهي لا تقدم البرامج النضالية من أجل تطوير المجتمع وانما تبيع له الأوهام حتي يقبل بسيطرة الطبقات الاجتماعية والقوى المهيمنة.

• إلى أي حد يمكن أن تساعد مثل هذه المشاريع على تقديم تشخيص تاريخي موضوعي لأزمة اليسار التونسي؟
لن تكون غاية المشروع ابراز النقائص فكل التجارب السابقة تحتوى على اضافات ومبادرات ودور الموسوعة احتضان كل مظاهر هذا التراث المتعدد بمختلف روافده ولكن لا شك أن المادة الوثائقية المتنوعة من صحف ووثائق أرشيفية ادارية وبوليسية وصور و أشرطة صوتية ستمكن المؤرخين من البحث والاستقصاء والمقارنة بين الأهداف والطموحات التي تم وضعها ومدى تحققها.
العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال ونشر التعليم والثقافة وبعث النقابات هي شعارات طرحها اليسار التونسي وجزء كبير منها أصبح يؤثث الثقافة السياسية ومن مكونات الهوية التونسية ولكن لا بد من الاقرار أن جزءا من هذه الانجازات تحققت أو تم التراجع فيها واليسار الحزبي كان مغيبا أو لم يحسن التفاعل مع بقية القوى الأخرى حتى يجعل من الانجازات الاجتماعية ركيزة لمكاسب أخرى.
ان التشتت الذي يميز اليسار هو احدى تجليات الأزمة لأنه لم يوفق لا في تنسيب الخلافات بين مختلف مكوناته ولا في اقامة جسور بينه وبين القوى الاجتماعية التي يمكن له التقاطع معها من عمل تشاركي يحقق تقدم المجتمع ويوسع حظوظ ترسيخ المشروع الوطني التونسي الذي لا يزال مهددا من طرف القوى المحافظة ورأس حربتها الاسلام السياسي.

• ماهو رأيكم في ما حصل يوم 25 جويلية 2021؟
قبل ذلك اليوم (25 جويلية) وخلال كامل الأشهر التي سبقته تميز المشهد السياسي في تونس بحالة من النزول نحو الأسفل ومن الرداءة نتيجة ضعف في حوكمة دواليب الدولة ومقدراتها وعلى خلفية أزمة ثقة بين راسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) من جهة وبين رئيس الجهورية والبرلمان وبالخصوص رئيسه من جهة أخرى. عاشت البلاد على وقع أشهر طويلة من الترقب والانتظار والتوتر على خلفية أزمة اقتصادية وصحية خانقة ولم تبرز على الساحة في كامل تلك المدة الا المبادرة التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي قدمها في أواخر شهر نوفمبر 2020 لرئيس الجمهورية ليكون راعيا لها الا أن مجموعة من العوامل- ليس المجال للبحث فيها - حالت دون دخولها مرحلة التنفيذ. وبمرور الأيام والأشهر اختزل الصراع في نوع من حرب مواقع بين رئيس الجمهورية من جهة ورئيس البرلمان (وهو في نفس الوقت زعيم حزب الاسلام السياسي) لذلك راينا الحركات الاحتجاجية التي عمت عدة جهات صباح ذلك اليوم تصب جام غضبها على ما يرمز لهذه الحركة وهي مقراتها المنتشرة في أغلب المناطق. أما الفرحة العارمة التي شهدتها شوارع المدن اثر اعلان الرئيس عن الإجراءات الاستثنائية فقد اعتبرت وكأنها حل لهذا الصراع الذي بدا وكأنه دون نهاية أو قد تكون نهايته مجهولة العواقب. ومهما يكن من أمر أكيد أن التاريخ سيحتفظ بيوم 25 جويلية 2021 كاحدى المحطات الهامة في المسار المثقل والمعقد للانتقال الذي تشهده تونس منذ ثورة ديسمبر 2010 –جانفي 2011 وما تخللها من مشاعر عديدة وتناقضات عاشت على وقعها البلاد تراوحت بين المكاسب وهي حقيقية وكذلك الأحزان والنكسات وخاصة تفشي الارهاب والتسفير والاغتيالات السياسية والتي بقيت محاكمة الضالعين فبها ترواح مكانها. لذلك سيحتفظ التاريخ بذلك اليوم باعتباره مسعى لإيجاد حل للوضع السياسي متعفن وللأخطار التي أصبحت تهدد الدولة وكيانها وتجمع عديد الأصوات لتعتبر أن أقطاب الاسلامي يتحملون المسؤولية الأولى في تمدد الأزمة وتواصلها. الأكيد أن تحقيق ألأمال التي وضعت وانجاح المرحلة التاريخية يبقى رهين اقرار أرضيه واضحة المعالم تتجمع حولها القوى الاجتماعية والسياسية التي تريد ارجاع الثورة الى مسارها التاريخي ومواصلة مسيرة الانتقال من عهد الاستبداد الى عهد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

حوار: محمد اليوسفي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115