جدل متواصل حول مذكرة وزير الصحة للتعامل مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.. يستمر الفشل الاتصالي للحكومة في إدارة الأزمة الصحية

لا زالت المذكرة التي أصدرها وزير الصحة فوزي المهدي والموجهة إلى منظوري الوزارة تثير جدلا كبيرا وردود أفعال رافضة لها،

مذكرة حذر فيها الوزير الإطارات والأعوان من أن أي تعامل مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة للعموم بالنسبة للإطارات والأعوان يخضع حصريا وبصفة مسبقة لترخيص من الوزير، ونبه إلى أن كل مخالف لهذه الإجراءات يعتبر مرتكبا لخطإ موجب للتتبع التأديبي والجزائي عند الاقتضاء طبقا للتراتيب الجاري بها العمل، الأمر الذي اعتبره أهل الاختصاص محاولة لتكميم أفواه الخبراء. مقابل ذلك أكد وزير الصحة أن الهدف من المذكرة إعطاء المعلومة الصحيحة وتجنب ترويج معطيات خاطئة بغاية تخويف المواطنين.

جاءت مذكرة وزارة الصحة بعد أيام من تصريح الطبيبة المختصة في الأمراض الجرثومية بقسم الأمراض السارية في مستشفى الرابطة الدكتورة ريم عبد الملك بما مفاده تسجيل 14 وفاة في مستشفى الرابطة بسبب عدم توفر أسرة الإنعاش، ووفق تصريح إعلامي لوزير الصحة في مجلس نواب الشعب فإن الغاية من المذكرة هي الحد من المعلومات المغلوطة التي تقدم من قبل بعض الأطباء، مستشهدا بالتصريح المتعلق بحادثة وفاة 14 شخصا، مشددا على أن للموظف العمومي مسؤولية التحفظ ولا يمكنه الإدلاء بمعطيات خاطئة، وأضاف أن الإدلاء بمعطيات تهم الشأن الصحي تعود بالأساس للجهات المختصة التي تم تحديدها في المذكرة. علما وأنه حسب المذكرة يتاح تعامل الإطارات والأعوان مع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة للعموم بصفة حصرية للمكلفين بذلك .

الحق في التعبير عن الآراء
وقد تتالت عمليات الاستنكار والرفض من قبل نقابات الصحة، حيث أكدت العمادة الوطنية للأطباء أمس حق الأطباء في التعبير عن آرائهم في إطار اختصاصاتهم وحسب المعطيات العلمية الثابتة في كنف احترام مجلة واجبات الطبيب، داعية في بيان صادر عنها ، كافة الأطراف على رأسها سلطة الإشراف إلى احترام أخلاقيات المهنة والاستعانة بأهل الاختصاص في الاستراتجيات الاتصالية لكي يكون الخطاب المقدم خطابا علميا بحتا يعتمد على آخر المعطيات العلمية الثابتة وذلك للرفع من درجة وعي المواطن بأهمية الحماية الذاتية والوقاية من المخاطر لمجابهة التحديات القادمة . وذكرت أن التوعية والإرشاد من أوكد المهام التي يضطلع بها الطبيب لحماية صحة الفرد والمجتمع، مؤكدة على استقلالية الطبيب عند أداء مهامه مهما كان موقعه أو طريقة ممارسته لعمله.

عدم الثّقة في نجاعة القرارات الصحيّة
كما استنكرت النقابة العامة للأطباء ولأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيين الجامعيين ما جاء في المذكرة واعتبرتها محاولة لتكميم أفواه الخبراء، وبينت أن هذه المذكرة يمكن أن تحيل إلى عدم الثّقة في نجاعة القرارات الصحيّة المتّخذة وتفسح المجال الإعلامي لغير ذوي المعرفة، مشدّدة على أن حرية التّعبير والحريات الأكاديمية حقّان دستوريان لا مجال للمساس بهما أو انتهاكهما وأن الرأي العلمي حر وموضوعي ولا يمكن بأي حال أن يخضع لترخيص مسبق ولا يضبطه إلّا مجال الخبرة للخبير. وأشارت إلى أنّه من حقّ المواطن والرأي العام الإطلاع على آخر المستجدات العلميّة في خصوص الوباء من قبل أخصائيين في المجال مشهود لهم بكفاءتهم وموضوعيتهم واستقلاليتهم عن كل التدخلات السياسية. وجدّدت النقابة دعوتها لسلطة الإشراف إلى إيجاد استراتجية إعلامية ناجعة في مقاومة الجائحة تبنى بصفة تشاركية مع مهنيي الصحة وغيرهم من أهل الاختصاص.

تعسف وقمع
كما حذرت المنظمة التونسية للأطباء الشبان، في بيان صادر عنها من مغبة محاولة إسكات الأطباء بأي شكل من الأشكال عبر العقوبات الإدارية أو الجزائية على خلفية تعبيرهم عن آرائهم، مشددة على أنه إن كان من حق وزارة الصحة تحديد من يتحدث باسمها ، فلا حق لها في إسكات «منظوريها» و تهديدهم من مغبة «أي تعامل مع الإعلام و وسائل التواصل «، كما ورد في المذكرة التي وصفتها بـ «سيئة الذكر» الصادرة عن وزير الصحة يوم 16 أفريل الجاري. وتعهدت المنظمة التونسية للأطباء الشبان باللجوء إلى كافة السبل المتاحة من أجل ردع أي محاولة للتعسف أو القمع في حق منظوريها من أية جهة كانت، محذرة من مثل هذه الممارسات ومن ما تحيل إليه من رغبة في تسيير الوزارة بقانون الصمت والترهيب. وطالبت بتوضيح الهدف من مثل هذه المذكرة وتوضيح حق الوزارة في اختيار الناطقين باسمها دون التعرض بالتهديد لأي عون يعبر عن رأيه في حدود احترام أخلاق المهنة.

خطوة متأخرة
وكان غياب سياسة اتصالية واضحة داخل وزارة الصحة والضبابية في بعض المعطيات والمعلومات حول الوضع الوبائي في البلاد السبب في تعدد مصادر المعلومات والتي وصلت في بعض الأحيان إلى حد التضارب في وضع دقيق وحرج نتيجة الانتشار المتسارع لفيروس الكورونا، والمذكرة التي وجهها الوزير إلى المنظورين في القطاع خطوة أولى نحو تنظيم السياسة الاتصالية للوزارة والاقتصار فقط على تقديم المعلومات للرأي العام من قبل المكلفين ولكن يبدو أن خطوة الوزير جاءت متأخرة كما أنها أثارت ردود أفعال رافضة من خلال المرور من مرحلة حرية التصريح وتقديم المعطيات إلى القطع باعتبار أن من يخالف المذكرة سيكون عرضة للتبعات التأديبية والجزائية عند الاقتضاء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115