عيد الاستقلال: حينما تطغى الصراعات السياسية

مرّ امس وكأنه يوم عادي لا يوم عيد الاستقلال ، ليقتصر الامر على بيان من الرئاسة للإعلان عن عفو اصدره الرئيس الذي لا يتبنى السردية الرسمية للاستقلال.

مقابل رئيس الحكومة الذي يقدم نفسه على انه مؤتمن عليه وليس افضل من زيارة ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لإعلان ذلك في اطار ادارته للصراع مع الرئاسة.

لا توجد كلمة تستطيع ان تصف ما بات عليه المشهد التونسي، فلا العبث ولا الصبيانية ولا التهافت وغيرها من الكلمات يمكنها ان تقدم وصفا لما بتنا عليه نتيجة صراعات سياسية لا تذر ولا تبقى شيئا من ثوابت العيش المشترك بين التونسيين. فهي تتصنع الازمات وتعمل على اطالتها بهدف كسب سياسوي لا يأخذ بعين الاعتبار ان للدول ثوابت لا يجب ان تكون محل تنازع بين السياسيين. وان كانت هذه الثوابت محل «تساؤل» وبحث فتلك مهمة الاكاديميين.

هذا ما بتنا عليه منذ زمن، ولكن يوم امس تاكد ان الصراع بين قصر قرطاج من جانب والحكومة وحزامها البرلماني انفلت عقاله وبات في مربعات ان دخلتها السياسية خربت، ومنها مربع «الاستقلال» الذي كانت ذكراه الـ65 يوم امس.
ذكرى تجاهلتها رئاسة الجمهورية التي لم تصدر الى غاية السابعة من مساء امس اي بيان او كلمة للرئيس يتوجه بها للشعب ليهنئه فيها بالاستقلال ويشحذ هممهم لمعارك قادمة ومنها الاصلاح الذي بات ضرورة حيوية دونه قد ينهار ما تبقى من دولة تعاقبت عليها السنوات العجاف.
تغييب كلي للأمر وكان الـ20 من مارس ليس تاريخ لنيل تونس لاستقلالها من الاستعمار الفرنسي، هذا ما حرصت الرئاسة على ان تصدره للتونسيين، لتعيد احياء صراع سياسوي اثير بعد الثورة يتناول سرديات الاستقلال بمقاربات سياسوية تطمح الى اعادة كتابة تاريخ تونس من منطلقات وقراءات خاصة بالفاعلين السياسيين.

صراع خاضته تونس زمن تولى المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية، واحياءه للصراع البورقيبي اليوسفي وما يثار بشأن هذا الصراع السياسي بين زعمين وطنيين وقع استحضار تاريخيهما لتصفية حسابات ذاتية او ايديولوجية تنطلق وتنتهى عند الغاء الاستقلال وكامل منجزات الدولة الوطنية الحديثة.
هذا الصراع فل تدريجيا وعلٌق بحلول انتخابات 2014، ومعها ظن التونسيون ان تاريخهم قد سحب من اروقة السياسة وتركت مسالة البحث فيه والتدقيق للاكادميين من المختصين، لكنهم وقفهوا امس على احياء صراع السرديات ومحاولة توظيفها في الصراعات السياسوية الراهنة.

فالرئاسة وان المحت للسردية التي تنتسب اليها بصمتها عن احياء ذكرى عيد الاستقلال بل وان يخير الرئيس ان يقيم نشاطه في 19 من مارس بزيارة السجون والإعلان عن عفو رئاسي. وتعمده الصمت طوال يوم امس. سواء ان تعلق الامر بتهنئة الشعب بالاستقلال او بالإعلان عن موقفه من الدعوات الصادرة له بان ينزل مبادرة الحوار الوطني.
مقابل صمت الرئاسة تحركت رئاسة الحكومة امس ليقدم الماسك بها هشام المشيشي على انه المؤتمن على سردية الاستقلال الرسمية والوريث الشرعي لها. اذ تنقل الرجل الى روضة آل بورقيبة وزار ضريح الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في ما وصفه بيان الحكومة بـ» لمسة وفاء صادقة .... وعرفانا لتضحياته الجسام...و«نضاله الأكبر» في سبيل بناء دولة وطنية مدنية ذات سيادة.

خطوة المشيشي ليست انتصارا لسردية الاستقلال بقدر ما هي محاولة لتسجيل نقاط في الصراع السياسي المحتدم بينه بمعية حزامه البرلماني وبين الرئاسة. وهنا يصبح الثابت والمشترك من عناصر الصراع تعزيز التموقع وكسب الحلفاء.
صراع سياسي ومؤسساتي بات عبثيا يهدد كل شيء في اطار تناحر وتطاحن لا يخضع لضوابط ولا يلتزم بحدود لا يطالها. ازمة باتت مستفحلة تتغذى من نفسها وتتمدد لتضع كل شيء على المحك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115