لجنة المالية في البرلمان: ساحة جديدة في الصراع السياسي

يبدو ان الصراع السياسي بين القصر وخصومه في طور الانتقال بثقله الى البرلمان. الذي كانت الاغلبية فيه تظن أنه «آمن»

بعيدا عن تداعيات الصراع بينها وبين الرئيس. لكن اتضح جليا في الأيام الفارطة ان ذلك مجرد وهم وان الصراع اطل براسه في البرلمان من بوابة لجنة المالية.
منذ انطلاق الصراع بين الرئاسة والاغلبية البرلمانية الداعمة لحكومة المشيشي، كان جليا ان الازمة اعمق من ان تختزل في التحوير الوزاري وأنها ستتطور باضطراد لا يمكن توقعه او التنبؤ به.
أزمة قسمت الساحة السياسية -او هذا ما حرصت الاغلبية البرلمانية على ان تفعله وترسخه في الصورة- في حصر الصراع بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي. ومن هنا أعيدت صياغة التحالفات لتكون تحالفا لدعم الحكومة واخر «حزام رئاسي». اي ان الاغلبية البرلمانية المتكونة من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة جعلت الامر في صورة صراع بين رأسي السلطة التنفيذية: الرئاسة والحكومة. وأنه لا يمكن تجاوزه الا بحوار بين الطرفين. وهذا ما تعتبره خطوة اولى في تحقيق النصر بتسويق الازمة على غير حقيقتها ذلك ان الازمة الفعلية هي بين الرئاسة ومجلس النواب، وحرص الاغلبية على تقديمها في صيغ مختلفة يراد بها امران. توفير هوامش للحركة والمناورة وثانيا ابقاء المجلس بعيدا عن الضغط وجعله لاحقا «سلطة تحكم» بين المتصارعين.
هذه الرغبة لا يمكن ان تتحقق للأغلبية البرلمانية الا إذا نجحت في ابعاد الرئاسة عن المجلس وضمان عدم قدرته على التأثير فيه والتي باتت اليوم تردد بشكل مضطرد بان النظام السياسي التونسي «برلماني» على قول عياض اللومي رئيس المكتب السياسي لقلب تونس، او هو شبه مجلسي وفق تلميحات محمد القوماني القيادي بحركة النهضة الذي يحرص على ان يطلق اسم «المؤسسة» على المجلس. وهي تسمية يراد لها ان ترسخ صورة المجلس كمؤسسة من مؤسسات الحكم لا كسلطة تشريعية لها مهام صياغة القوانين والرقابة.
هذه الصورة يراها اصحابها مهددة في ظل ما يعتبرونه «اختراق» الرئاسة للبرلمان وذلك ما يرونه من طبيعة العلاقة بين رئيس الجمهورية والكتلة الديمقراطية. اختراق وصفه اللومي بـ«الانقلاب» اذ يشدد على ان للرئاسة ميل للانقلاب على المجلس وذلك باستخدام الكتلة الديمقراطية.وهنا يقع الاستنجاد برسالة هيكل المكي رئيس لجنة المالية الى رئاسة الجمهورية وما تضمنته من توصيف للوضع الحالي بالبلاد ودعوة للرئيس قيس سعيد الى اعلان حالة الطوارئ الاقتصادية.
رسالة حرصت الاغلبية البرلمانية عبر ممثليها في لجنة المالية على التنديد بها واعتبارها «خرقا للنظام الداخلي» وتجاوزا من رئيس اللجنة للأعراف ولصلاحياته وتواطؤا من الرئاسة التي تريد ان تعطل اشغال المجلس ومن خلفه الحكومة لتسجيل نقاطا في الصراع بينهما.
ومن تسجيل النقاط يقع المرور الى «الانقلاب» والتلميح بان الرسالة ليست بريئة وانها تندرج ضمن «مخطط» اذ يقول اللومي ان الرسالة «توحي بان هناك شيئا ما يجهز له من قبل الرئيس»، ويعني هنا الفصل 80 من الدستور ويعتبر ان الرئاسة في طور الاستعداد لتفعيله. وهو ما قاله في ندوة صحفية عقدت في المجلس شاركه فيها نواب من حركة النهضة ومن ائتلاف الكرامة.
ندوة تكلم فيها ممثلوا الاغلبية البرلمانية وكانت بمثابة استعراض القصد منه محاصرة الكتلة الديمقراطية والضغط عليها في البرلمان وهي خطوة استباقية تريد منع نقل الصراع الى البرلمان وجعله معطلا، او هذا ما يعتقده نواب الاغلبية الذين باتوا يرون الساحة السياسية على انها فسطاطان.
فسطاط المؤلفة قلوبهم، وهؤلاء هم من اصطفوا خلفهم في الصراع مع القصر، وفسطاط «الانقلابيين» وهؤلاء من رفضوا الخضوع لسرديتهم ودفعهم بالبرلمان ليكون «مؤسسة الحكم» الاولى في البلاد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115