متواريا خلف الادخنة السوداء المتصاعدة من قباب قصور الحكم التي تصدر ذات الخطاب المتمسك بالمواقف الاولى إما لقناعة راسخة لا تتزحزح او لمناورة تهدف إلى تحسين شروط التفاوض.
تتباحث المنظمات الوطنية، واساسا الرباعي الراعي لحوار 2013 حول ايجاد مخارج للازمة التي استفحلت في البلاد وطالت مؤسساتها. ولم تتصاعد الادخنة البيضاء من قباب قصر قرطاج وباردو والقصبة لتعلن عن بداية الانفراج والتوجه بالازمة الى الحل.
فالخطاب الرسمي الذي يصدر من قبل الماسكين بهذه المؤسسات ومن قبل الاطراف المشاركة في التناحر عند نقطته الاولى. وهي ذروة الازمة. اذ ان الرئاسة لازالت عند تمسكها برفض التحوير وما لحقه من مناورات قام هشام المشيشي رئيس الحكومة.
ولازال رئيس الحكومة عند موقفه الرافض للاستقالة وقد طلب اسماء الوزراء محل الشبهة من الرئاسة قبل القيام بخطوته اللاحقة. اما قصر باردو واساسا الاغلبية الداعمة للحكومة فهي ترواح مكانها وظلت تعلن انها داعمة لحكومة المشيشي ولخياراته في مواجهة الازمة.
لكن خلف هذه الصورة التي توحى بان لا جديد في الازمة هناك «شفق من نور» يطل من اخر النفق. اذ ان اطراف النزاع لا تبدى رفضا ولا اعتراضا على جهود المنظمات الوطنية لحل الازمة والتوسط بينها. وعوضا عن ذلك تعرب عن انها مستعدة لحل الازمة ولكن وفق شروط.
شروط الرئاسة ان الحوار يجب ان يستوعب مسألة هامة وهي ان حكومة المشيشي لم تكتف بتجاوزات ما قبل عرض التحوير على البرلمان بل تمادت واتت ما لا تقبله الرئاسة وتغض البصر عنه. بعبارة اخرى تريد الرئاسة ان تجعل من استقالة الحكومة احدى نقاط الحوار الذي لا تقبل ايضا ان يشمل من تقول انهم «مورطون في الفساد».
موقف الرئاسة الحالي ظل وفيا لمقولات الرئيس السابقة. لا حوار مع الفاسدين ولا تراجع عن رفض التحوير. والمطالبة تلميحا باستقالة المشيشي. ولكن هذا لا يعنى انها ترفض كليا مبدأ التشاور والحوار . الذي لم يحدد ان كان بشكل مباشر او غير مباشر. في المقابل تلزم حكومة المشيشي الصمت مكتفية بخطوات صاحبها الباحثة عن تأمين مخرج يكون جزءا منه ولا يقصيه.
لكن المحدد في الصراع قرطاج والقصبة. ليس المشيشي ولا حكومته بل حزامه البرلماني وخاصة النهضة التي يشير سامي الطريقي القيادي بها الى انها تعتبر ان الازمة ليست بين الحزام السياسي وعلى رأسه النهضة والرئيس انما بين راسي السلطة التنفيذية، اي بين سعيد والمشيشي.
ويقول أن الحل بيدي رأسي السلطة التنفيذية وان رئيس الحكومة سبق وصرح انه منفتح على اي حلول. ولذلك فان الوساطات والحوار مطلوبان دائما. وحركته تدعم اي مبادرة من اي جهة لحلحلة الازمة. لكنها تطالب بان يكون الحل ضامنا لعدم العودة لغيرها او فيما يشابهها خاصة فيما يمس الدستور تحت يافطة التأويل الحصري. في اشارة الى موقف الرئيس وتمسكه بانه الوحيد المخول له تاويل الدستور في ظل عدم وجود محكمة دستورية. موقف يبين ان النهضة تريد للازمة ان تحل في اطار يضمن استمرار حكومة المشيشي وهو ما يؤكده الطريقي بقوله ان حركته «لا ترى حلا يقصى المشيشي».
هذه المواقف القديمة ليست ازلية وغير قابلة للتعديل وهو ما يدركه الاتحاد والمنظمات الوطنية التي اختارت لدى طرحها تصورا لحل يكون جامعا بين التصورين «اما ان يقع اعفاء الوزراء محل الاحتراز وبذلك يكون الرئيس امام حتمية حل الازمة او ان يستقيل المشيشي».
صياغة تريد من خلالها المنظمات توفير ارضية وسط بين المتخاصمين ليقبلوا بالوساطة والحوار ايا كان شكله، مباشر او غير مباشر. وتبحث من خلالها عن كسر الجليد بين القصور وتوفير هامش يسمح لكل منها بالتحرك خطوة نحو الاخر.
هامش تقتنع المنظمات انه متوفر وان المخرج ممكن وفي متناول اليد، اذ تدرك ان المواقف المعلن عنها غير ازلية وقابلة للتعديل خاصة إذا وقع الاتفاق بين قرطاج وباردو على خطر استمرار الازمة وان الافضل للبلاد ان يقع تسويتها.
تسوية تقترحها المنظمات في مجملها دون تحديد للبنود او النقاط، التي لازالت في مرحلة الصياغة وجس النبض لدى المتصارعين لتحديد باقي تفاصيل الحل. الذي يبدو انه ينطلق من ان امكانية اقناع الاغلبية والنهضة اساسا بالتخلى عن التمسك بالحكومة مقابل ضمانات وصياغات توفر ما تراه الحركة جوهريا واساسيا من قل قصر قرطاج.من ذلك مسألة استخدام الرئيس للدستور في صراعه مع المجلس واغلبيته.
لكن وفي انتظار ان تتصاعد الادخنة البيضاء وتعلن بان المتناحرين انخرطوا رسميا في جهود حل الازمة. يبدو ان المناورات والتصريحات ستستمر وان خفت حدتها لتوفير مناخ يضمن نجاح الوساطة.