أزمة التحوير الوزاري : ماذا تبقى أمام المشيشي؟

وجد التونسيون امس ما يسليهم في مزحة سوداء مصدرها رئاسة الحكومة التي كشفت في مراسلتها لرئاسة الجمهورية عن «تخبطها» وعدم استيعاب حقيقة المشهد

في البلاد التي تعيش على وقع ازمة التحوير الوزاري والتي بلغ عمرها «اسبوعان» يبدو انهما لم يكونا كافيين لتتحسس الاغلبية البرلمانية ورئيس الحكومة طريقهما للخروج.
بات جليا ان قصر قرطاج يعتمد على طرق جديدة في تعاطيه مع الازمة السياسية والمؤسساتية الراهنة، فالقصر وبعد صمت لايام قرر ان يراسل رئاسة الحكومة ليعلمها ان مراسلتها التي وجهتها الى الرئيس في الاسبوع الفارط غير سليمة من حيث الشكل، والسبب ان المراسلة التي وجهها المشيشي لسعيد ورد في الظرف الذي حملها بـ«مراسلة الى السيد رئيس الحكومة».

هذه المزحة السوداء كان رد الرئاسة عليها هو ما تلقفه التونسيون امس ليسلوا انفسهم في ظل ثبات الازمة السياسية مكانها، اذ مرّ اسبوعان منذ ان منح مجلس نواب الشعب الثقة لوزراء المشيشي الـ11 رغم تحذير الرئيس قيس سعيد من انه سيلجأ الى صلاحياته الدستورية ويرفض اصدار الاوامر الرئاسية بتسمية الوزراء وأنه لن يسمح لمن تلاحقهم شبهات الفساد وتضارب الصالح باداء اليمين الدستورية.

ازمة انطلقت باعلان سعيد في اجتماع مجلس الامن القومي انه يرفض التحوير ويعترض على مساره بعدم احترامه للاجراءات الدستورية، رفض قابله المشيشي وحزامه السياسي بالتجاهل والاسراع في تجاوز الخلل في الاجراءات الدستورية التي اشار اليها الرئيس التي يتعلق بمضمون الفصل 92 من الدستور الذي ينص على ان حذف او احداث وزارات او كتابة دولة يستوجب مصادقة مجلس وزراي.

منذ ذلك التاريخ مرّ 15 يوما، وبمرورها لم يغير الوقائع اذ استمر الرئيس في رفضه وتمسك به اكثر، واستمرت الاغلبية البرلمانية والحكومة في المناورة بداية ثم تقبلت ان موازين القوى لم تعد في يدها منذ ان اختارت التسرع باجراء تحوير وزاري قبل ضمان كل شروط نجاحه، وهاهي تبحث اليوم عن مخرج من ازمة ألقت نفسها فيها منذ ان راسل البرلمان في 26 جانفي الرئاسة يعلمها بنتائج التصويت.

سعى حثيث لإيجاد توافق مع قصر قرطاج هو ما شغل رئيس الحكومة وحزامه البرلماني، وخاصة النهضة وقلب تونس. فكانت المراسلة التي وجهها المشيشي وباتت محل تندّر وانضاف اليها طلب المشيشي للقاء برئيس الجمهورية واستمرار صمت الاخير عنه، واخيرا وساطة الاتحاد غير الرسمية بهدف الوصول الى حل توافقي ينهى الازمة دون الحاجة إلى إسقوط الحكومة.

اسبوعان انقضيا والازمة لا تسير خطوة في طريق الحل، رغم ان كل المؤشرات والرسائل التي تصدر من قصر قرطاج تفيد بشكل شبه حاسم ان الحل يمكن في ان تذهب هذه الحكومة برمتها لا ان يرحل الوزراء الجدد محل الرفض من الرئاسة. وهذا ما تبينه تحركات الرئاسة واخرها عدم قبول المراسلة ووقوفها عند جزئية الخطإ في اسم الجهة المرسل اليها.
تفاصيل يدرك رئيس الحكومة وحزامه البرلماني انها تجعل من محاولاتهم ايجاد حل توافقي مع الرئاسة غير ممكن وان ما بقي لهما هو احد الخيارين اما تجاوز الرئاسة والذهاب الى سياسة الامر الواقع بان يقع دعوة الوزراء لمباشرة مهامه والدخول في مواجهات لاحقة مع الرئاسة والمعارضة وخوض المعارك القانونية والسياسية او ان تعلن الحكومة عن نهاية زمنها

اما بان يستقيل رئيسها او ان تعرض نفسها على مجلس النواب ليسحب منها الثقة.

خياران فقط هما ما تبقى امام المشيشي وحزامه البرلماني، ويبدو ان الحسم في احدهما سيكون بعد نقاش واتفاق بين الطرفين ولعل موقف النهضة سيكون محددا رغم ان الحركة وفي خطابها الرسمي وبيان مكتبها التنفيذي شدد على انها «تدعم رئيس الحكومة» واي خيار يتخذه في معالجة الازمة. موقف النهضة هو ذاته الذي يكرره قلب تونس وباقي الحزام البرلماني للحكومة، دعم خيار المشيشي مهما كان مع التشديد على ضرورة ان يتقدم الرئيس قيس سعيد خطوة نحو الحل. لكن بعيدا عن الخطاب والمناورة الباحثة عن معجزة للخروج من الازمة دون سقوط الحكومة، ليس امام الحكومة ورئيسها هشام المشيشي الا الاقرار بان زمنهما السياسي انتهى وان موقف الرئاسة تطور من رفض التحوير الى رفض الحكومة برمتها وهو ما يجعل المشيشي عاجلا ام آجلا امام حتمية وحيدة وهي المغادرة.

مغادرة قد يكون الرجل في طور البحث عن تفاديها بمراسلته للمحكمة الادارية لاستشارتها عن قانونية خياراته التي من بينها التراجع عن التحوير الوزاري برمته وتغيير هيكلة حكومته لتكون حكومة مصغرة بمن ظل من وزراءه وهو ما اقترحه عليه حزامه البرلماني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115