امنية لمنع المتظاهرين. ولا في الشعارات التي رفعت وباتت «قديمة» اذ بلغت من العمر شهرا. بل يكمن في ان المشهد التونسي يخضع إلى إعادة تشكّل جديد دفع اليه «الجيل الخطأ» الذي نجح في ان يجرّ خلفه الاحزاب والمنظمات.
تزينت العاصمة التونسية امس بالحواجز الحديدة والمتاريس التي امتدت على شوارعها لتغلقها تحسبا لقدوم متظاهرين لاحياء الذكرى الثامنة لاغتيال شكري بلعيد. الذي أردته اربع رصاصات في 6 فيفري 2013 شهيدا رفعت صورته من قبل متظاهرين نجحوا في كسر الطوق الامني المفروض على الشوارع الرئيسية للعاصمة، بعد ان تم اغلاق المداخل الخارجية لها على مستوى الطريق السيارة السريعة.
طوق تجملت به العاصمة لتكشف عن ان حكومة المشيشي لم تستوعب بعد ما يحدث في الشارع وحالة الغضب والحنق المتناميتان من خيارات امنية تنتهجها الحكومة لتجابه الشارع وشبابه، ولكن رغم هذا الطوق نحج المئات من الوصول الى شارع الحبيب بورقيبة قادمين من ساحة حقوق الإنسان- ساحة الشهيد شكري بلعيد.
مسيرة افرج عن اهلها ليلجوا شارع الحبيب بورقيبة- قطرة قطرة- ولكنهم ولجوا واهتز لهم الشارع الذي نحجوا وان نسبيا في استعادته من محاولة «الاحتكار» التي تجسدت في حشود امنية وإغلاق شبه كلي للمنافذ والطرقات بالأسلاك والحواجز والسيارات وفرق امنية متأهبة تعمل على انهاك المحتجين الوافدين بإطالة انتظارهم أمام ممرات العبور.
كل شيء امس كان يكشف ان الحكومة تخشى الشارع ولكن خشية لم تجعلها تذهب الى الصدام المباشر بل اختارت ان تغلق الشارع وتسمح لمئات فقط بالدخول على امل القدرة على احتوائهم ان ساءت الامور ، وهو ما تم في نهاية اليوم ليقع الاعتداء من قبل افراد امن على محامين في الشارع من بينهم عبد الناصر العويني.
وما بين بداية التحرك ونهايته عاش شارع الحبيب بورقيبة على مشهديه جديدة، يتقدم فيها الشباب للصفوف الاولى فيما يقف الامناء العامون للاحزاب وقيادات المنظمات الوطنية في الصفوف الخلفية يلتقطون ما يرسله الشارع من رسائل جديدة، وكل يفكك الشفرة بطريقته وان التقوا جميع افي ان الشارع عاد لشبابه الغاضب الذي يعبر عن خيبة امله في ما باتت عليه الاوضاع وعن رفضهم ان يقع التراجع عن الحريات وعودة دولة البوليس بـ«مفرادات زمنه».
فهم يتقاسمه هشام العجبوني القيادي بالتيار الديمقراطي، وزهير المغزاوي الامين العام لحركة الشعب ورياض بن فضل الامين العام للقطب وسمير الشفي الامين العام المساعد باتحاد الشغل، اربعتهم يفككون ما ارسله الشباب من رسائل ويحددون المهام التي يجب ان يتحملها كل طرف وخاصة المعارضة للتعبير عن هذا الغضب ولكن اربعتهم لا يجدون موقفا مشتركا في كيفية التعامل مع المشهد الجديد.
مشهد جديد في طور التشكل هذا ما يلتقطه رياض بن فضل الذي يشير الى ان هناك بوادر تشكل جديدة ستنجح متى تمكنت من استيعاب ان الاشكال التقليدية للتنظم لم تعد قادرة على ان تستجيب لانتظارات الشارع ومطالبه وان التحركات الشبابية الحالية قد تشهد «انهاكا» وتخفت شراراتها ان لم تنجح في ان تجد شكلا للتنظم يكسر مع القديم والهرمية التي تمتاز بها التنظيمات التقلدية، اي الحزبية. وهنا يطرح الرجل ضرورة ان يصل القديم والجديد الى توافق، يقوم على قاعدة عدم الهيمنة وانما الالتقاء من اجل معارك محددة.
ما التقطه بن فضل امس هو بروز مجموعات شبابية متنوعة ومختلفة في انتمائها وأفكارها نجحت في ان تجر خلفها تنظيمات تقلدية على غرار الاحزاب ونوابها في البرلمان ومنظمات وطنية كالاتحاد والرابطة، مجموعات فرضت اجندتها على الجميع وفرضت شعاراتها ونسق تحركها، واستجاب البقية لها كل لاسبابه وغايته.
مجموعات متعددة، تعبر عن تيارات شتى يسارية واناركية وكويرية ومشجعى كرة القدم/ مجموعات الفيراج وغيرهم من الشباب المنتظم في احزاب او المستقل، وجدوا انفسهم يتقاطعون في معارك مشتركة، وأولى معاركهم كانت مع الجهات الامنية التي تتصدر الصف الاول بينهم وبين «النظام»، معركة يدافعون عن ضرورة خوضها الى النهاية للحسم في مسألة «كرامتهم» وحقهم في ان يكونوا في الفضاء العام دون الخشية من قمع الامن لهم.
مجموعات ترفض ان تنتظم في شكل تقليدي او ان تقدم من يتحدث باسمهم، هم يرفضون كل هذه الاشكال التقليدية ويرغبون في ان يستمر حراكهم في الشارع بادوات وخطاب تقطع مع القديم، قديم يرفضونه بشكل قاطع وهذا ما يعبر عنه بعضهم ممن يحرص على ان لا يكون في الصورة، هم يتحركون على الهامش يتحسسون خطواتهم القادمة، ومعاركهم الجديدة.
مجموعات من بينها «الجيل الخطأ»، اسم عبر بنفسه عن هوية اهله ولكنه بات اليوم يرمز لجيل باكمله، جيل تشكل وعيه بعد 2011 ، وهو تاريخ لا يتعلق بالثورة التونسية فقط بل بما تشهده المجتمعات الاخرى من حركية وما قدمه «الانترنت» من ادوات ومنصات يحسن هذا الجيل توظيفها لخوض حروبه ضد «القديم».