قيس سعيد في الحبيب بورقيبة: الشارع في نصرة الرئيس ضد خصومه

اختارت رئاسة الجمهورية بعناية الصورة التي نشرتها لزيارة قيس سعيد إلى شارع الحبيب بورقيبة وإلى وزارة الداخلية يوم امس، ولسان حالها يقول ان الصراع يحسم في «حلبات»

عدة ومنها الشارع الذي ينتصر فيه قيس سعيد على منافسيه جميعا. انتصار حققه امس كان رسالته الصريحة للكل بان في جعبته اوراق لعب تتجاوز ورقة الدستور وصلاحياته وهي ثقله في الشارع وشعبيته.

تقوم السياسة في جانب هام منها على الرمزية والرسائل المشفرة لقول ما لا ينبغى الافصاح عنه بشكل صريح ورسمي اما لتجنب الحرج او لترك هامش للمناورة ولكن بالأساس لاستعراض «الاسلحة الثقيلة» وهو فعله الرئيس قيس سعيد يوم امس حينما اختار ان يحل ضيفا على شارع الحبيب بورقيبة ومنه توجه الى وزارة الداخلية.
اختيار تزامن مع مرور اسبوع على نيل وزراء حكومة المشيشي الجدد ثقة البرلمان، وشهر منذ اقالة المشيشي لوزير الداخلية والتي عللها باقدام الوزير على اتخاذ قرارات اعفاء لقيادات امنية دون التنسيق مع رئيس الحكومة وهو ما تم بعد اقل من 48 ساعة عن زيادة أداها سعيد لوزارة الداخلية اعلن فيها انه « القائد الاعلى للقوات المسلحة الامنية والعسكرية « .وايام قليلة اثر حادثة «الظرف المشبوه» وتناقض الروايات بين النيابة العمومية وبين الرئاسة بشان محاولة تسميم للرئيس.

رمزية هذا الموعد تصبح في حد ذاتها رسالة الى رئيس الحكومة وحزامه السياسي بان الرجل في جعبته اوراق لعب عدة يمكنه ان يلاعبهم بها، وهو ما المح اليه في البلاع الصادر عن رئاسة الجمهورية الذي وصف الامر على انه «زيارة غير معلنة إلى وزارة الداخلية» اين عقد جلسة بحضور وزير الداخلية بالنيابة ورئيس الحكومة ومدير عام الأمن الوطني وآمر الحرس الوطني ومدير عام وحدات التدخل وكاتب عام الوزارة، ورئيس الديوان بالنيابة. لقاء قال فيه سعيد ان «الدولة مستمرة وأن رئيس الدولة هو الضامن لاستمراريتها».

هذا التنصيص على ان الرئيس هو «الضامن لاستمرارية الدولة» يصدر قبل ساعات معدودات من نهاية المهلة غير المعلنة التي منحتها الحكومة والأغلبية البرلمانية للرئيس لدعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية لمباشرة مهامهم، وهو ما يرفضه الرئيس ويعلله بوجود وزراء تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح.
تناحر اجج نيرانه التحوير الوزاري الذي ساهم في تازيم المشهد العام بالبلاد التي عات على وقع احتجاجات امتدت على امتداد شهر جانفي المنقضي واخرها كان احتجاج يوم السبت الفارط الذي رشق فيه المتظاهرون قوات الامن بالألوان وقاموا بما اعتبرته النقابات الامنية «بإهانة للأمنيين» استوجبت تصعيدا خطيرا من قبل المؤسسة الامنية التي لزمت الصمت تجاه تحركات النقابات الامنية وبيانها الصادر عنها يوم امس.

صمت ملأه سعيد الذي قال في لقائه بالقيادات الامنية ان «الحريات مضمونة وليس هناك علاقة عداء بين الأمنيين والمواطنين» ولذلك فهو لا يقبل «أن يتم ضرب المؤسسة الأمنية ولا يقبل بضرب الحريات» مبينا وفق البلاغ ان الامن «في خدمة الدولة لا في خدمة أي جهة أخرى.
هذا الجزء بحد ذاته كاف لان يشرح ما قام به قيس سيعد من خطوة تستهدف ضمنيا رئيس الحكومة الذي سارع لوزارة الداخلية لاحتواء الزيارة «غير المعلنة» التي كانت رسالة مفادها انه «القائد الاعلى» وله صلاحيات يمكنه ان يستنجد بها متى شاءـ لكن الرئيس جعل من يوم امس عصيبا على رئيس الحكومة وعلى الاغلبية الحاكمة.
فهو وقبل ان تطأ قدماه وزارة الداخلية قام بجولة في شارع الحبيب بورقيبة، حرصت الصورة المتعلقة بها على ان تبرز التفاف الناس حول الرئيس الذي كان يقود مظاهرة في الشارع الرئيسي للعاصمة، فهو وان حرص البلاغ على ان يكتفى بالقول ان سعيد التقى بعدد من المواطنين واستمع إلى مشاغلهم وانتظاراتهم، فانه جعل من جولته مظاهرة ظرفية للمطالبة بحل البرلمان.

مطالبة لم يشر اليها البلاغ الذي اكتفى بالاشارة الى ان من التقاهم الرئيس عبر الكثير منهم عن» ثقتهم ودعمهم المطلق له» بل وهم يدعونه «الى سرعة التحرك من أجل إنقاذ تونس من الوضع الصعب الذي تعيشه» وهو ما قابله الرئيس بالتاكيد على انه « لن يترك الدولة ولا الشعب التونسي لقمة سائغة للمتربصين بالبلاد» وفق البلاغ.
بلاغ صمت عن قول ما عبرت عنه الصور وهو الرسالة الفعلية للزيارة وللجولة في شارع الحبيب بورقيبة. وهو ان الرئيس قوي بالشارع وما له من ثقل لدى التونسيين. وان الشارع هو احدى حلبات الصراع بينه وبين خصومه -الحكومة والأغلبية البرلمانية- اي انه لن يسمح بعزله عن «حاضنته» التي لا ثقة لها في الطبقة السياسية ومؤسسة البرلمان.
هذه الخطوة كانت لترحيل الضغط المسلط على الرئاسة الى خصومها، فهم المسؤولون عن الازمة وعن حالة النتاحر بين مؤسسات الدولة وتصويره على انه «الطرف الاضعف» في الصراع كي يفرضوا شروطا او واقعا على الرئيس لا رغبة له فيه. بعبارات صريحة يقول الرئيس لخصومه انه صاحب الشرعية والمشروعية الوحيد في مؤسسات الحكم بالبلاد وان هذا يجعله الاقوى في المعادلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115