منذ أن قدّم نفسه على رأس قائمة حركة النهضة بتونس الأولى كان واضحا أن راشد الغنوشي لا يهدف فقط إلى الوصول إلى قصر باردو ،بل لتقلّد المنصب الأول في المؤسسة التشريعية ، وكان واضحا أيضا انه لن يكتفي بدور رمزي تشريفاتي بل سيسعى لإدارة اللعبة السياسية وطنيا وحزبيا أيضا من تحت قبة باردو ..
من أجل تحقيق هذا الهدف فصل زعيم النهضة بين مساري تكوين الحكومة وانتخاب مجلس نواب الشعب ثم غيّر في سويعات قليلة تحالفاته السياسية من أحزاب الخط الثوري إلى «حزب المقرونة» كما كان يقول عن قلب تونس وذلك فقط للتربع على عرش البرلمان،وبدأ منذ تلك اللحظة يسعى لوضع اليد على جلّ الخيوط لإدارة اللعبة السياسية ..
كان الغنوشي يعتقد انه من اليسير جدّا وضع الرئيس المنتخب قيس سعيد في الجيب نظرا لضمور تجربته السياسية ولغياب حزب قوي يسنده فبدأ يضيق المساحة المتاحة لرئس الدولة بدءا بتكوين حكومة خاضعة لإرادته بواسطة من كلفته حركة النهضة بتشكيل الحكومة السيد الحبيب الجملي وثانيا بديبلوماسية برلمانية تدعم موقع رئيس البرلمان على حساب رئيس الدولة ..
وقد أخفق الغنوشي في الأمرين فسقطت حكومة الجملي وتألبت جل القوى البرلمانية ضده وبدأ واضحا منذ الأيام الأولى أن راشد الغنوشي لن يكون الرجل المجمع في المجلس بل عنصرا دائما للتوتر وهدفا سهلا لكل الانتقادات ،فكان اكبر المستفيدين من سنته الأولى هذه على رأس البرلمان ألدّ أعدائه السياسيين وعلى رأسهم عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ والتي تمكنت من اختطاف كل الأضواء بفضل معارضتها الشرسة لـ«شيخ الإخوان» .
غياب شخصية وفاقية على رأس البرلمان ووجود كتل متنافية إلى الأقصى أعطى صورة سيئة للغاية على برلمان 2019 ، برلمان الاحتجاجات والاعتصامات والصراعات والتنفير والسباب وحتى بدايات التشابك بالأيدي ويكفي أن نعلم أن عريضة سحب الثقة من الغنوشي قد حصلت في جويلية الفارطة على 97 صوتا حتى ندرك حجم الرفض الذي تجمّع حول اسم الغنوشي ورئاسته للمجلس، ولو لا بعض «المؤلفة قلوبهم» لسقط الغنوشي قبل نهاية سنته الأولى في باردو..
ولكن النتيجة الأكثر مفاجأة في هذه الحصيلة هي التصدع الكبير وغير المسبوق الذي حصل داخل حركة النهضة ومطالبة قيادات بارزة من الصف الأول للرئيس المؤسس للحركة الإسلامية منذ نصف قرن أن يعلن على رؤوس الملإ احترامه للنظام الداخلي للحزب وإعلانه انه لا ينوي التمديد لشخصه .. وعندما نضع في الحسبان انزعاج ما سمي بمجموعة المائة من أن يتهموا بالتلاقي الموضوعي مع أعداء الحركة ورموز «الثورة المضادة» ندرك مدى حجم التصدع اليوم في الجسم النهضوي وكيف أن الطموحات المتعاظمة للزعيم المؤسس والذي تشتغل بطانته على التسويق له نهضويا ووطنيا قد أدت إلى عكس أهدافها إذ أصبح الغنوشي اليوم احد أهم عناوين الأزمة وطنيا وبرلمانيا ونهضويا كذلك ..
يبدو أن راشد الغنوشي قد أحرق سفنه بالكامل وأنه لم يوفر لنفسه مخرجا آمنا وأن كل تراجع من جانبه سيحسب باعتباره هزيمة وان أبواب تحقيق انتصارات ولو جزئية قد أوصدت تماما أمامه رغم تمكنه من استغلال الخلافات الذي دبّت في الأيام الأخيرة قبل نيل الثقة لحكومة هشام المشيشي ولكن المتاحات أمام زعيم الحركة ضعيفة للغاية خاصة لو لم يتمكن من تجاوز موجة الاحتجاج المتعاظمة داخل حزبه ، كما أن مشهد رئيس البرلمان الهارب من ترؤس جل الجلسات العامة حتى لا يستهدفه خصومه – وهم كثر الآن – أمام شاشات التلفزيون لا يتناسب مع التسويق لشخصه كأحد أركان الدولة التونسية ..
سنة واحدة من الطموحات المكشوفة لرئيس حركة النهضة ولبطانته المقربة كشفت ما كان خافيا على العديدين من أن صفة رجل الدولة لا تعني من شغل مناصب عليا في الدولة بل من تمكّن من تجسيدها سياسيا وشخصيا .. وهذا أهم ما افتقر إليه راشد الغنوشي خلال هذه السنة الأولى من رئاسته للبرلمان التونسي .
حصيلة راشد الغنوشي بعد سنة من رئاسته لمجلس نواب الشعب: تشابك في البرلمان وصراع مع الرئاسة وتصدع في النهضة
- بقلم زياد كريشان
- 11:00 13/11/2020
- 1596 عدد المشاهدات
تمر اليوم ، 13 نوفمبر 2020، سنة كاملة على انتخاب راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، رئيسا لمجلس نواب الشعب وهذه حصيلة أوّلية لهذه السنة الأولى ..