مسألة تنقيح اغلبية انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية كما هي عليه اغلبية الثلثين لا الاغلبية المعززة.
يوم امس صادق مجلس النواب في جلسة عامة على إرجاء النظر في مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الاساسي للمحكمة الدستورية واقتراح قانون أساسي يتعلق بتنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية بموافقة 92 نائبا واحتفاظ اثنين.
تصويت جاء بعد ان اعلن طارق الفتيتي، النائب الثاني لرئيس البرلمان أثناء ترؤسه لجلسة امس أن أعضاء مكتب المجلس ورؤساء الكتل صوّتوا في اجتماع مشترك على إرجاء النظر في مشروعي القانونين المذكورين. قرار يبدو انه اتخذ لتجنب توتير المشهد السياسي والتصعيد مع رئاسة الجمهورية التي لمحت الى انها لن تختم القوانين المخالفة للدستور ، وهنا
تحتكر الرئاسة صلاحية تأويل الدستور.
تاويل تخشى الاغلبية البرلمانية من ان يقود رئاسة الجمهورية الى رفض تعديلاتها المقترحة على القانون الاساسي للمحكمة الدستورية خاصة في مسألة انتخاب اعضائها الثلاثة المتبقين من قبل البرلمان ، قبل المرور الى انتخاب المجلس الاعلى للقضاء لمثليه الاربعة في المحكمة وتعيين الرئيس للأربعة المتبقين وفق ما ينص عليه القانون المنظم لإحداث المحكمة الدستورية المتكونة من 12 عضوا لم تعرف الا هوية واحدة منهم وهي القاضية روضة الورسيغني التي انتخبيت من قبل البرلمان في مارس 2018.
نص اصلي وقع البحث عن تعديله لتخفيض سقف الاغلبية اللازمة لانتخاب اعضاء المحكمة الى 109 بعد ان فشل البرلمان السابق في الوصول الى توافق وتدخل رئاسة الحكومة اثناء تولي يوسف الشاهد باقتراح مبادرة تشريعية ل تنقيح قانون المحكمة الإدارية بالتخفيض من الأغلبية المطلوبة من الثلثين إلى الأغلبية المطلقة.
مبادرة قدمت في 2018 وظلت حبيسة المجلس اثر تعالى الاصوات الرافضة لها قبل ان تطالب حكومة الشاهد قبل مغادرتها بتسريع النظر في المبادرة اضافة إلى حزمة من مشاريع القوانين وقد استجاب المجلس لها ليسرع في مسارها قبل ان يحيلها الى جلسات عامة.
عملية تغاضى فيها مجلس النواب ولجانه عن ان جوهر التنقيحات يمس من الدور الرئيسي للمحكمة الدستورية - في مراقبة دستورية مشاريع القوانين أيا كان صنفها واي كانت الجهة المبادرة بها، فضلا عن مراقبة مدى احترام القوانين القديمة لأحكام الدستور وتوخي آلية الدفع بعدم الدستورية أمام مختلف المحاكم - والضرر منها يكمن في فتح باب التلاعب بالقانون لحسم تجاذبات سياسية في البرلمان.
تجاذبات حالت في السنوات الفارطة دون استكمال انتخاب الثلاثة أعضاء المتبقين لعضوية المحكمة الدستورية من قبل البرلمان نتيجة تعذر حصول أي من المرشحين على أغلبية الثلثين /145 صوتا في الثلاث دورات انتخابية متتالية لعدم توصل كتل البرلمان السابق الى توافق بشأن المرشحين.
هذا المسار الذي مرت به عملية انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية من قبل البرلمان السابق الذي ورث الحالي مقترح قد ينسف رغبة المؤسسين وروح الدستور، في ان تكون المحكمة الدستورية هي الضامن الفعلي لاحترام السلطة والمشرعين وكل الفاعلين للدستور ونصوصه، أي ان تكون الضامن الاساسي لعدم انحراف او انتكاسة الانتقال الديمقراطي في تونس.
تهديد لازال قائما بشدة رغم تاجيل النظر في التنقيحات المقترحة الى مواعيد لاحقة، اذ ان التجأيل وان كان انتصارا « مؤقتا « للاصوات المطالبة بسحب التنقيحات، فانه لازال كسيف مسلط على الرقاب خاصة وان اسبابه العميقة لم تكن من اجل العودة عن الخطإ بل إلى حسر الزمن المناسب.
لذا قد تكون امام كتل المعارضة بالاساس اليوم الفرصة لاعادة ترتيب المشهد البرلماني في علاقة بتنقيحات المحكمة الدستورية، لضمان ان لا يقع تغيير للاغلبية المطلوبة لانتخاب اعضائها من قبل البرلمان بما يتناسب ورغبات الاغلبية البرلمانية الراهنة، المتكونة من قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة.
ان الرهان اليوم في ظل مد موجة الانتكاسات ليس فقط انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية بل ضمان استقلاليتهم وعدم خضوعهم للتجاذبات السياسية أيا كانت الجهة والمراد، الرهان هو القطع مع ثقافة سادت لعشر سنوات مرة منذ 2011 تجعل المحدد في القضايا المبدئية هي المنفعة السياسية الراهنة .