جزء من الرأي العام بشأن جريمة القتل التي جدت في نهاية الاسبوع الفارط ليسمعه ما يرغب فيه بشأن تطبيق عقوبة الاعدام بحق مرتكب الجريمة بعد استيفاء شروط المحاكمة والادلة.
اربع دقائق خصصها الرئيس لدى اشرافه يوم امس بقصر قرطاج على اجتماع مجلس الأمن القومي -للحديث عن جريمة القتل- وتم ذلك بحضور رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من الوزراء.
قال الرئيس في خصوص جريمة القتل ان مرتكبها سواء في الجريمة الاخيرة او المشابهة لها، لن يتمتع مستقبلا بالسراح الشرطي ولا بالتقليص من العقوبة المحكوم بها عليه ، مضيفا أن النص واضح بهذا الخصوص فمن قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام ، خاصة بالنسبة إلى من يكررون ارتكابهم لمثل هذه الجرائم.
وقد تحدث الرئيس عن ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من ان مرتكب جريمة قتل «رحمة» ادين في السابق بجريمة قتل، في تلميح الى ان تطبيق عقوبة الاعدام عليه وارد عقوبة قال ان النص التشريعي في تونس نص عليها كعقوبة في جرائم محددة. وهنا تطرق الرئيس الى تطبيق عقوبة الاعدام في العالم، معتبرا ان بعض الدول -وان لم تنص بصريح النص على تطبيق حكم الاعدام- اجهزتها تقوم بتصفية من يمثل خطرا على امنها. وعليه فلا حرج على تونس في ان تطبق العقوبة.
دقائق اربعة اضيفت اليها اثنتان جاء فيها على لسان الرئيس اشارة الى ارتفاع منسوب الجريمة في تونس والتشديد على وجوب التصدي بحزم لهذه الجرائم وتطبيق القانون على كل المجرمين، دون ان يغفل عن تثمين الجهود التي يقوم بها رجال الأمن داعيا إياهم إلى مضاعفتها لمنع تكرار جرائم الاغتصاب والقتل.
موقف الرئيس من عقوبة الاعدام وان كان غير صريح وغير مباشر إلا ان التلميحات التي تضمنتها كلمته الافتتاحية لأشغال اجتماع مجلس الامن القومي تكشف عن رغبته في مسايرة غضب الشارع التونسي من الجريمة وتعالي بعض الاصوات فيه للمطالبة بعقوبة الاعدام. مسايرة وان كانت بالتلميح والتبطين الا انها تكشف ان الرئيس وفي قضايا مفصلية مجتمعية يعمل وفق مقاربة يروم بها ارضاء الجميع، فلا هو نطق وقال انه مع تطبيق حكم الاعدام ضد قاتل «رحمة» بشكل صريح ولا قال انه ضدها بشكل صريح، بل جعل نفسه في المنطقة الرمادية وللمستمع حرية التأويل والفهم.
حرية تأويل لم يغفل الرئيس عن توجيهيا نحو مسار وحيد وهو «تطبيق حكم الاعدام على القاتل»، فالرئيس مع قتل من كرر الجرم دون ان يغفل عن الاشارة الى ان المعطيات تفيد بان قاتل «رحمة» سبق له وان قتل، أي انه وان لم يقلها بصريح العبارة فهو مع تطبيق حكم الاعدام عليه.
الرئيس غفل هنا وهو رجل قانون عن ان المشرع التونسي حدد عقوبة جريمة القتل العمد والمشاركة فيها، وهي عقوبات تتراوح بين الاعدام والمؤبد بسنوات طوال في السجن ، كما انه منع امكانية تمتع مرتكبيها بالعفو او بتقليص مدة العقوبة، وعليه فان منطق العودة والتكرار الذي اشار اليه الرئيس كعذر لتطبيق حكم الاعدام يسقط.
سقوط هذا العذر يكشف عن ان الرئيس يساير الموجة ويجعله أنصارها يرضون عن أدائه ويعتبرونه رمزهم، دون ان او يلجم الغضب ويبين موقف الدولة التونسية من العقوبة السالبة للحياة ولا التزاماتها بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الاممية والدولية التي تناهض عقوبة الاعدام وتستبدلها.
هذا لم يريد في خطاب الرئيس الذي لم يكن الا تطبيقا لمقولة «الزبون على حق» وطالما ان الزبون السياسي اليوم في تونس يطالب بعقوبة الاعدام فان الرئيس سيوحي له بأنه متماثل مع ما يقوله، وما حمله خطاب امس ليس الا اقرارا صريحا بأننا في زمن هيمنة الشعبوية وانتصارها على القيم والمبادئ الانسانية.
فإذا كان الشارع يطالب بان تعود الدولة الى «العصبية الجاهلية» فان قادتها سيقودنها الى هناك ولا مجال للحجج والمنطق لمناقشة مواضيع مجتمعية لا يراد لها ان تعالج خارج القبيلة والتصور البدائي لمفهوم الحق والعدل والفضيلة. فان كان الشارع يطالب بان تعود الدولة الى «العصبية الجاهلية» فان قادتها سيقودنا الى هناك ولا مجال للحجج والمنطق لمناقشة مواضيع مجتمعية لا يراد لها ان تعالج خارج القبيلة والتصور البدائي لمفهوم الحق والعدل والفضيلة الذي يجعل من القصاص العيني والمماثل نظاما جزائيا.
دفاع الرئيس امس عن عقوبة الاعدام جاء كما الشجرة التي تحجب الغابة، فالرجل وفي ربع مدة كلمته تحدث عن الوضع الامني باقتضاب مقارنة بحديثه عن الاعدام والدفاع عنه، مما يوحي بان الرئيس يريد بان تحجب شجرة الاعدام عدم وضوح تصوره لسياسة جزائية تعالج الجريمة من منطق دولة لا «قبيلة» التي تجعل من «الانتقام» هدفا لنظامها الجزائي.
في اجتماع مجلس الأمن القومي: قيس سعيد والدفاع عن عقوبة الاعدام.. الشجرة التي تخفي الغابة
- بقلم حسان العيادي
- 10:23 29/09/2020
- 1449 عدد المشاهدات
في مستهل كلمته الافتتاحية لأشغال مجلس الامن القومي حرص رئيس الجمهورية على ان يساير حالة الغضب المتصاعدة لدى