الحكومة وشبهة تضارب المصالح : الأزمة تتفاقم لتسحب الفخفاخ وشركاءه في الحكم

بات ملف تضارب المصالح الذي تورط فيه رئيس الحكومة الياس الفخفاخ كما الرمال المتحركة، كلما حاول الخروج منها زادت

وتيرة الغرق فيها ، فالملف الذي كشف قبل ايام قليلة تسارعت وتيرته وحاصر الحكومة محكما الخناق على رئيسها وأحزابها مما دفعهم إلى البحث عن مخرج وان كان رفع الراية البيضاء والاستقالة لإنهاء الازمة التي جرت اليها البلاد.

يبدو ان رئيس الحكومة الياس الفخفاخ قد تقاطع زماناه، السياسي والقضائي ليضعاه في موقف محرج ومعقد، فالرجل الذي اطل في 25 من جوان الفارط بمجلس النواب وتعهد بالاستقالة إذا اثبتت التحقيقات وجود تضارب للمصالح وان شركته تحصلت على صفقة عمومية وهو رئيس للحكومة.

وما إن مرّت ثلاثة ايام على التعهد حتى اطل رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي طبيب في لجنة الوطيفة العمومية ومكافحة الفساد ليقدم مروية هدمت ما بنته الحكومة وسعت الى ترسيخه في حملتها الاتصالية التي قامت على عنصرين اساسيين، الصفقة حسم امرها قبل 2019 والفخفاخ تخلى عن اسمه طوعيا بعد ان ابلغ الهيئة.
مروية هدمت على يد شوقي طبيب الذي كشف ان للفخفاخ 5 شركات وان احداها تحصلت على صفقتين عموميتين بقيمة 44 مليون دينار بينما هو رئيس للحكومة وان اسهم شركته تضاعفت قيمتها بمئات المرات قبل ان يعلن عن ان الهيئة ثبت لديها تضارب المصالح لدى رئيس الحكومة.

إعلان سرّع بتقاطع الزمن السياسي والقضائي في الملف الذي بات اكثر تعقيدا وتشابكا وزمنه بات يقاس بالثواني، اذ انه انطلق متثاقلا وتسارعت احداثه تباعا لتصبح ككرة ثلج كل معطى او تصريح او وثيقة تنضاف لسابقاتها وتسلط ضغطا متزايد على الفخفاخ.

ضغط لا يقتصر على الخصوم السياسيين للرجل، وهم الاكثر استفادة من هذا الخطإ الجسيم الذي وقع فيه رئيس الحكومة، بل يسلط من كل حدب، فالفخفاخ الذي ظن في البداية انه سيحتوى محاولات النهضة الضغط عليه باستعمال ورقة شركته الناشطة في البئية قدم مروية حملت الكثير من المعطيات الخاطئة كرد على مروية النهضة التي انطلقت منذ اشهر بإثارة نور الدين البحيري ملف شبهة تضارب المصالح في وزارة البيئة.

منذ تلك اللحظة بات الامر يتطور نحو الأسوإ بالنسبة للفخفاخ بسرعة الى ان بلغ حده الراهن، ومع تطور احداث الملف برزت الازمة السياسية التي وجدت حكومة الفخفاخ نفسها فيها رغم النجاحات التي حققتها في مواجهة الكورونا وانطلاقها في مخطط الاصلاح والإنقاذ.
ازمة سياسية تتمثل في فقدان الحكومة لجزء هام من أهليتها وشريعتها السياسية والأخلاقية القائمة على شعار محاربة الفساد والإصلاح لتضعها في وضعية معقدة وصعبة في علاقة بالإطراف الفاعلة في المشهد طوال الفترة التي ستمتد عليها التحقيقات البرلمانية والادارية والقضائية.

تحقيقات ستكون كما الاوتاد في ظهر الحكومة ورئيسها الذي ظن انه قادر على التخفيف من تداعيات الملف اول الامر ولكنه اليوم بات امام حتمية الاقرار بانه امام خيارات محدودة وان مسألة استقالته باتت احد الحلول للخروج من الازمة السياسية التي نجمت عن سوء تقديره للملف وخيارته الخاطئة في معالجته.
الاستقالة حتى وان لم تكن هي الخيار الاول للفخفاخ إلاّ انه بات جليا انها باتت مطروحة ومحل تفكير وان لم يكن ذلك بشكل علني ونهائي، اذ أن امام الرجل بعض الخيارات التي لها تكلفة كبيرة على حكومته التي وان استمرت فأنها ستكون مكبلة وغير قادرة على الذهاب بعيدا في خيارات سياسية اصلاحية ستكون صعبة بعد هذا الملف.
هذا التفكير سيكون كالعدوى التي تنتقل في محيط الفخفاخ من اعضاء حكومته والمحطين بهم او من الادارة في القصبة وباقي الوزارات التي ستكون مكبلة بالتفكير في مألات الملف ونتائج لجان التحقيق والمسار القضائي له، وكل هذا سيكون حاضرا بقوة في الاذهان ويعيق العمل.

هذا بشكل عام، اما التفاصيل فإنها لا تقف عند الياس الفخفاخ والوزراء الذين اختارهم والذين ارتبط مصيرهم بمصيره، بل تشمل الاحزاب المساندة له والشريكة في حكومته، وهنا نجد النهضة والتيار حركة الشعب وتحيا تونس بالاساس، هذا الرباعي وان كان خطابه الرسمي المعلن انه في انتظار نتائج التحقيق لصياغة موقف نهائي وانه في انتظار صدوره فانه يدعم الحكومة والفخفاخ.

قول يراد من خلاله الاستمرار في السياسية التي شرعت فيها الحكومة منذ بداية القضية وهي التخفيف من الحدة والتداعيات، في الظاهر لكن بواطن الامور مختلفة، فالكل ارتبط مصيره بمصير الفخفاخ وسيكون مجبرا على دفع ثمن الخطإ.
واول المرتبط مصيرهم بالفخفاخ هو التيار الديمقراطي الذي يبدو انه تضرر كثيرا من الامر وباتت مصداقيته على المحك خاصة وانه حمل الوية محاربة الفساد طوال السنوات الفارطة وكان شديد الحسم حتى مع ملفات اضعف مما هو عليه حال ملف رئيس الحكومة.

وضعية صعبة تحشر التيار في الزاوية خاصة وانه نزل بقادته الاوائل في الواجهة، محمد عبو وغازي الشواشي ومحمد الحامدي، فالثلاثي مشارك في حكومة ثبتت عليها وفق هئية مكافحة الفساد مسألة تضارب المصالح، وهذا التضارب ضرب من ضروب الفساد وفق نص القانون. اي ان التيار الذي يرفع شعار الحرب على الفساد بات اليوم امام خيارين اما البقاء الى النهائية والانتصار للفخفاخ او الخروج من الحكومة، وكلا الخيارين علقم ومربكين للحزب وقادته .

حركة الشعب بدورها تجد نفسها في حرج لكنه اقل حدة فالحركة لم تغامر وتحشر قادة صفها الاول كما ان صورتها لدى ناخبيها مرتبطة بالدور الاجتماعي للدولة وبالفكر القومي اضافة الى ان امينها العام زهير المغزاوي له هامش تحرك مكنه من توجيه بعض النقد للفخفاخ والتلويح بان كل الخيارات مطروحة وان الشعب لن يقبل بان تزر وازرة وزر اخرى.
تحيا تونس الحزب الذي اقترح الفخفاخ والذي يمر بفترة داخلية متقلبة وصعبة، بدوره يجد نفسه في ازمة ومطالب بتحديد خياره انتظار ما سيقرره الفخفاخ او اخذ خطوة ةالقفز من المركب قبل غرقه. خياران مطروحان على الحزب كما البقية وفي كل منهما الحزب سيكون خاسر خاصة وانه بات اقل قدرة على التاثير وفقد امتياز العلاقة الجيدة مع الرئيس.

اما بالنسبة للنهضة فإنها امام احتماليين اما ان يقرر الفخفاخ البقاء وهذا سيجعله مضطرا الى مسايرتها والقبول ببعض التنازلات لصالحها وهنا الحركة تحقق مكاسب سعت منذ فيفري الفارط الى بلوغها، اما الاسوء للنهضة فهو اقدام افخفاخ على الاستقالة فهذا سيجعلها الخاسر الاكبر.

خسارة تتمثل في عودة المبادرة الى رئيس الجمهورية وما يعنيه هذا من فرضيات عدة قد تصل الى انتخابات تشريعية مبكرة تتزامن مع تمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات تشريعية تنضاف الى صلاحياته التنفيذية وحقيقة ان الحكومة التي ستستمر الى حين اجراء الانتخابات ستكون لتصريف الاعمال فقط، يجعل الحركة اكثر خوفا من هذا الخيار والاشد تضررا منه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115