لن تكون استقالة رضا بلحاج التي أعلن عنها يوم الخميس الفارط، أخر حبات العقد المنفلت، فالرجل الذي غاب منذ مطلع الأسبوع الجاري عن مقر الحركة المركزي اجتمع وتشاور مع عدد من قيادات الحزب الذين يشاطرونه الرأي.
فبلحاج الذي جعل عنوان استقالته من منصبه كرئيس للهيئة السياسية، هو رفضه للتوجه الجديد للكتلة البرلمانية للحركة الذي يهدد التوازن السياسي في البلاد، يدرك كما غيره من أعضاء الهيئة السياسية الذين يقفون في صفه ان العنوان هو واجهة لمعركة اكبر.
فأزمة الصدام بين الكتلة والحزب التي انطلقت منذ أفريل الفارط، تجسّدت في عدد من الأشكال منها رفض رئيس الكتلة الجديد سفيان طوبال أن يجتمع رضا بلحاج بأعضاء الكتلة لدى زيارته للمجلس في الأسبوع الأخير من شهر افريل، وهدد بالصدام معه.
تلك الحادثة كانت بداية الحرب الفعلية ، التي تخفت في شكل حرب بين الكتلة والهيئة السياسية، انتهت باستقالة بلحاج وستلحقها استقالات أخرى. وهو ما أكده بوجمعة الرميلي، القيادي بنداء تونس.
فبلحاج كما أنصاره في الهيئة السياسية، يعتبرون ان الكتلة البرلمانية للحزب، تريد الهيمنة على القرار فيه وأن يصبح الحزب «حزب الكتلة»، ويعتبرون ان بعضا من النواب المؤثرين في الكتلة يدفعون الى القطيعة التامة بين روافد الحزب. أنصار بلحاج يعتبرون مثله ان مسؤوليتهم والتزامهم السياسي والأخلاقي يفرض عليهم إعلان النهاية، ولكن ذلك بالاقتران مع الإعلان عن حقيقة الصراع في الحزب.
وهو ما أعلن عنه بوجمعة الرميلي في تصريح لـ«المغرب» أكّد فيه ان الهيئة السياسية للحزب انتهت، فالمجموعة التي تلتف برضا بلحاج تتبنى تقييما جماعيا مفاده ان الهيئة والحزب انتهيا، وان لا مجال لمبادرة «ترميم وتلفيق». والسبب في هذه النهاية هو محاولة «جزء من الكتلة» ان تتحكم في الحزب، والجزء المعني هو عدد من النواب يتزعمهم رئيس الكتلة سفيان طوبال.
هذه المجموعة التي تتحمل مسؤولية وصول الحزب إلى «نهايته» واستمراره في مرحلة «الأزمة المفتوحة»، يشير أنصار رضا بلحاج إلى أنها مدعومة من صلب الحزب في شقّ نجل الرئيس حافظ قائد السبسي، مدير الإدارة التنفيذية للحزب، ولكن الدعم الأساسي لها من قصر قرطاج.
فالأيام البرلمانية لكتلة الحزب في سوسة، عكست هذا الدعم الثنائي، وعجّلت بنهاية الحزب، عبر دفع رئيس الهيئة السياسية إلى الاستقالة لرفضه «أن يكون واجهة» لا صلاحيات له في تسيير الحزب، الذي تشرذم منذ 2015، وهو ما جعله رفقة من يحيطون به يرفضون المشاركة في اجتماع الهيئة السياسية والمنسقين الجهويين، اليوم بالقيروان.
فبلحاج ومن يناصرونه، وهم خصومه في السابق، يعتبرون أن التوجه الجديد الذي فرض من قصر قرطاج، ومن الرئيس الباجي قائد السبسي الذي يحملونه المسؤولية المباشرة وغير المباشرة، لن يقع التخلي عنه وان تمّ تأجيله من اجل استيعاب تداعيات الاستقالة التي يبحث من ظلّ في الحزب على ان يتراجع عنها بلحاج.
فالرئاسة والإدارة التنفيذية ورجل أعمال وسياسي من رموز نظام بن علي والكتلة ، هم الخماسي الذي بات يحدّد خيارات الحزب وتوجهه، وهم من قرّروا ان الوقت حان «لأخذ الحزب القديم» أي التجمع الدستوري الديمقراطي لزمام الأمور ولكن ليس باسمه وإنما باسم «حركة نداء تونس».
فالمجموعة التي تحسب على الرافد اليساري والنقابي بالنداء، تعتبر أن عددا ممن لم يتخلوا عن حلم إعادة المنظومة القديمة وجدوا في الخيار الجديد لرئاسة الجمهورية القائم على الاستناد إلى «رجال حزب التجمع» السبيل لإيجاد قاعدة سياسية تحدث التوازن مع حركة النهضة من جانب ومع رئاسة الحكومة من جانب أخر.
هذا الخيار الذي عبّر عنه في اواخر شهر فيفري الفارط، وتجلى في مبادرة تقدم بها سفيان طوبال، الرئيس الحالي للكتلة، تقوم على حل ازمة الحزب بعد مؤتمر سوسة على ثلاث مراحل الأولى تعيين رضا بلحاج رئيسا للهيئة السياسية والثانية توسيع الحزب وضم مجموعة المنذر الزنايدي والثالث جبهة سياسية مع الأحزاب الدستورية.
هذا الخيار السياسي الذي أعلن من قبل طوبال نظر اليه على انه خيار رئاسة الجمهورية، على اعتبار انه رجل الرئاسة في المجلس والحزب، وان خطواته الحالية، التي قد تتعثر بسبب الاستقالة، تصب في اتجاه عزل الرافد اليساري والنقابي وتهيئة الظروف لقدوم منذر الزنايدي كزعيم للحزب، ومن بعده تجميع من انفضوا عن حزب التجمع المنحل في 2011.
خطة إعادة إحياء التجمع باسم الدستورية وجعله الطرف المهيمن على حركة نداء تونس، يعتبره بوجمعة الرميلي أمرا غير ممكن فالتجمع انتهى وأي احياء له سيكون نهاية للتجربة، لكن تجربة نداء تونس انتهت بالفعل منذ سنة.
فنداء تونس الذي اسس على انه حركة سياسية تجمع اليساريين والنقابيين والدستوريين والمستقلين اكل ابناءه تباعا ولم يظلّ في الحركة غير الدستوريين/ التجمعيين وبعض من اليساريين الذين ظنوا انه بمقدورهم ان ينقذوا المشروع، لكنهم اكلوا يوم اكل الثور الابيض.