الائتلاف الحاكم وجلسة 3 جوان: حينما ينتصر الفخفاخ دون جهد

انتهت الجلسة العامة التي انعقدت اول امس في مجلس النواب بعد أن كشفت عن إعادة ترتيب الساحة البرلمانية والسياسية

على وقع مفارقات وتناقضات عدة ولكنها بالأساس كشفت عن منتصر لم يتورط في «حرب الاصطفاف» لكنه استفاد من نتائجها التي هيأت له الساحة ليكون الفاعل الرئيسي فيها.
امتدت الجلسة العامة لساعات واستعرت حرب الاصطفاف بين طرفين اساسين راشد الغنوشي وعبير موسى، فقد غادر الاول الجلسة وأحداثها وكان ابرز الخاسرين وقد غادرت عبير موسى منتصرة رغم أن لائحتها لم تمرّ فقد كسرت عزلة كتلتها وحزبها في المشهد السياسي والبرلماني وضمنت تقاربا مع كتل اخرى قد تشاركها لاحقا في محاصرة «الشيخ».

وكانت لكن هذه الحرب بمثابة الهدية السماوية لطرف ثالث لم يتورط في احداثها لكن طالته منها منافع عدة قد تجعله إذا احسن قراءة المشهد ابرز مستفيد وهو رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ، الذي خدمته جلسة امس وما نجم عنها من تأكيد لتشتت الائتلاف الحاكم وعدم استقرار التوازنات البرلمانية بما يسمح بإيجاد كتلة او تحالف مستقر قادر على تمثيل خطر او على فرض خيارات او اجندة على الحكومة.

فقد أعلنت جلسة امس -وما انتهت اليه نتائج التصويت بشكل نهائي وحاسم- عن حقيقتين، الاولى ان الائتلاف الحاكم لم يكن إلا التقاء بين كتل لإفراز حكومة تجنبا لخيار اسوء وهو حل البرلمان، أي ان هذا الائتلاف لن يتمكن من ان يتطور ليصبح تحالفا سياسيا قادرا على لعب ادوار متقدمة في المشهد والتحكم في نسق ومسار الحياة السياسية.
فانقسام مكونات هذا الائتلاف الحاكم أمس الى فريقين اولهما حركة النهضة وثانيها حركة الشعب وتحيا تونس وكتلة الاصلاح كشف عن ان الائتلاف يتكون من طرفين متناقضين تشقهما خلافات ايديولوجية تجعل من فرضية التقارب بينهما لبلوغ درجة من التعاون والتنسيق يسمح بفرض خيارات او املاءات على الحكومة او التلويح بسحب الثقة منها امرا صعب المنال. دون اغفال حقيقة ان التيار الديمقراطي عجز عن اختيار فريقه وظل مشتتا بين الطرفين.

حقيقة اولى تتضمن عناصر عدة لا تقف عند الصراع المحتوم بين مكونات الائتلاف الحاكم وعجزه عن التقارب بما يمكنه من خلق تحالف حكم، فهي تتضمن اشارات صريحة الى انعدام تشكل «معارضة» صلب الحكومة من قبل اعضائها المتحزبين الذين قد يبحثون عن افتكاك مساحات من الفخفاخ او دفعه لتحقيق توصيات احزابهم.
كما انها تتضمن تأكيدا صريحا -اليوم- بان النهضة غير قادرة على فرض أي خيار على الحكومة او رئيسها، فالحركة وفي ثلاث مناسبات كان الرهان فيها اثبات قدرة النهضة على توفير اغلبية تجسد سيطرتها على المجلس عجزت عن تجاوز الثلث في شأن حكومة الفخفاخ وفي صندوق الزكاة واخيرا في اللائحة التي لم يعترض عليها الا 64 نائبا.

انهيار حلم «الاغلبية» له تداعيات سياسية منها ان الحركة ستفقد قدرتها على فرض نسقها او التحكم في زمام المبادرة السياسية والحكومية مما يجعلها جزءا من الائتلاف لا غير، وهذا قد يجعلها تعيد ترتيب الخيارات والقبول بتنازلات للفخفاخ تجنبا لخيارات او مسارات اكثر تعقيدا.

حقيقة لا معنى لها إذا لم يدرك الفخفاخ انه بات اليوم، وبفضل عدم تورطه في الصراعات، الشخصية الاقدر على فرض نسقه والتحكم في زمام المبادرة التنفيذية إذا تعلق بكيفية ادارة الشأن العام في ما يشمل صلاحياته الدستورية او حتى في ما يتجاوزها لفرض نفسه كفاعل سياسي .

اما الحقيقة الثانية فهي مرتبطة بسابقتها وتتمثل في غياب جبهة معارضة لها القدرة على فرض او محاصرة الحكومة، فقلب تونس والدستوري الحر بمفردهما غير قادرين على تشكيل جبهة معارضة يمكنها إرباك الحكومة، اضافة الى ان أي محاولة من مكونات الائتلاف الحاكم للتنسيق معهما في ملفات وخيارات سياسية سيكون محرجا بعد ما قيل فيهما وفي الموقف السياسي منهما.

في المحصلة بات اليوم بمقدور الفخفاخ الاطمئنان الى انه قادر على فرض خياراته إذا احسن اللعب على تناقضات الائتلاف الحاكم وما وفرته له المعارك من مساحة للتحرك والمناورة في البرلمان لتمرير اصلاحاته التي قد لا تجد غير الاتحاد معارضا صاحب قدرة على ارباك الحكومة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115