ما بعد جلسة 3 جوان : إعادة التموقع في المشهد السياسي والبرلماني

ادرك كل من في مجلس النواب منذ البداية ان الجلسة العامة المخصصة لمناقشة لائحة الدستوري الحر والدبيلوماسية البرلمانية ليست

إلا فاتحة لمعارك إعادة التموقع في المشهدالبرلماني والسياسي، وقد سعى كل طرف الى تنزيل استراتجيته الباحثة عن تعزيز تموقعه، وقد تقاطع الجميع في نقطة بناء استراتجيته وفق التصور لعلاقته بالنهضة ومدى قدرته على افتكاك نقاط منها وحتى النهضة نفسها بنت استراتجيتها على تموقع الاخرين منها.
كشفت بداية الجلسة العامة ليوم امس في مجلس النواب والتي تضمن جدول اعمالها نقطتين، اولهما مناقشة لائحة الدستوري الحر المتعلقة بإدانة التدخل الاجنبي في ليبيا ورفض إقامة قواعد لوجستية في تونس للتدخل في الشان الليبي اما النقطة الثانية فكانت حوارا حول الدبلوماسية البرلمانية.

وقد وقع الفصل بينهما وخصصت لكل منهما جلسة خاصة (انظر مقال مجدي الورفلي) وقد عاشت اروقة مقر مجلس المستشارين السابق على وقعها وقد شهدت تحركات ونقاشات جانبية بين قادة الاحزاب والكتل البرلمانية لضبط بعض التوافقات المتعلقة بمجريات يوم امس في صراع إعادة التموقع في المشهد.
وقد اتضح منذ البداية مآل لائحة الدستوري الحر، فالتوازنات ورغبات الفاعلين السياسين في المجلس كانت جلية وهي عدم الذهاب الى ابعد من التصويت على اللائحة بعد تعديل بعض عباراتها والضعط اكثر على رئيس المجلس في النقطة الثانية ليتوقف عن تجاوز الصلاحيات.

في المقابل تحركت النهضة باستراتيجية مختلفة وهي امتصاص غضب «قلب تونس» واطلاق العنان لائتلاف الكرامة لارباك الجلسة وافراغها من محتواها، وهذا اتضح في كلمة رئيس كتلة الائتلاف التي المح فيها الى المؤمرة وإلى أعداء الثورة …الخ. لتقدم الصورة من اول الجلسة بوضوح، ورغبات كل طرف كشفت اما بشكل صريح او موارب وهي اعادة ترتيب التوزنات والادوار والتموقعات في المجلس وخارجه.

كتلة الدستوري الحر حددت طموحها وشرحته بعزل النهضة في البرلمان والذهاب الي سحب الثقة من راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان، كهدف ظاهر يخفي خلفه هدف حسم «زعامة» الجبهة المعارضة للنهضة وللتيارات الإسلامية اي تغذية الاستقطاب بينه وبين النهضة مع اجبار الجميع على الاصطفاف خلفه والاقرار باحقية عبير موسى بتزعمهم. وقد اختلفت رغبات البقية وتموقعاتهم.

اول هؤلاء اصدقاء الحكم، حركة الشعب والتيار الديمقراطي كل منهما حدد هدفه الاول بفك الارتباط بين النهضة وقلب تونس اولا، ودفع الي ذلك بطرق شتي لكن هذا وفق محاذير تتعلق بالائتلاف الحكومي وصلابته لذلك تجنب الذهاب الى ما هو ابعد من « قرصة اذن » وتوجيه رسائل مضمونها ان النهضة اليوم مطالبة بالقبول بوقائع الارض وهي انها جزء من ائتلاف حكومي وأنها ليست قائدته وعليها ايضا ان توحد المسارين البرلماني والحكومي.

والقصد هنا انهاء تحالفها مع ائتلاف الكرامة وقلب تونس بالاساس في البرلمان لتنقل الائتلاف الحكومي الي البرلمان خاصة وان الحكومة وبعد اقل من اسبوع سيتنتهي اجال التفويض لها وستمر الي البرلمان لحسم جملة من الملفات، لذلك حرص التيار والشعب على ترك شعرة معاوية بينهما وبين النهضة دون اغفال التلويح بان النهضة بين خيارين اما التخلص من التحالف البرلماني او المراهنة في وقت لاحق على خسارة رئاسة البرلمان.

خياران مكشوفان لكل من النهضة وقلب تونس، وان كان تموقع كل طرف منهما مختلف عن صاحبه، فقلب تونس تحرك امس وفي الجلسة السابقة لتوجيه رسائل محددة وهي انه لن يستمر في تقديم المنافع للنهضة دون ان يستفيد من ذلك، واستفادته محددة في المشاركة في الحكم او القرب من دوائره اي الجمع اليوم بين المسار البرلماني والحكومي.
مشاركة جوبهت برفض من الائتلاف الحاكم مما اجبر قلب تونس على اللعب بورقتين: الضغط على الفخفاخ بالتصويت ضد مشاريع القوانين لابراز اهمية كتلة وضرورة الحاقها بالحكم والمسار الثاني الضغط على النهضة كما فعلت مع حكومة الجملي لجعل العلاقة مبنية على المنفعة المتبادلة لا التبعية. كما ان خيار قلب تونس مرتبط أيضا بوضعه الداخلي وخشيته من انفراط عقده على خلفية مواقفه القريبة من النهضة.

هذه المعارك شملت ايضا تحيا تونس وكتلة الإصلاح بشكل ابرز من باقية الكتل التقنية او السياسية الاخرى، فتحيا والاصلاح لهما مقاربة تنطلق من ثنائية موقعهما من النهضة والدستوري الحر، اي انهما يتحركان على واقع الفصل بين المسار الحكومي والبرلماني لضمان هامش من المناورة يحقق لهما تموقعا في المشهد لا خلف الدستوري بل في الصدارة.
اما النهضة وهي قلب الرحى في كل استراتيجية فانها تنظر للامر من زاوية مختلفة وهي فك الحصار عنها اولا اي كسر التقاطع الظرفي بين الكتل الـ6 وعدم السماح بان يتطور الى لقاء دائم وهذا يعني انها قد تلوح ببعض التنازلات او تلمح الى نيتها بانهاء تحالفها البرلماني لكن مقابل ضمانات تتعلق بموقعها وخاصة برئاسة المجلس.
تلميح تريد النهضة ان يقع التقاطه من البقية وذلك ما حرصت عليه خاصة وقد وجدت ان التناقضات صلب الكتل الـ6 تم اختراقها وأنه وقع التضحية بقلب تونس او الايهام بذلك، اي تقديم ضمانات مزدوجة لشركاء الحكم ولقلب تونس تحقق لكل واحد منهم ما يرغب فيه ولكن بالاساس تحقق للنهضة هدنة واستراحة تعيد فيها ترتيب الاوراق والتقاط الانفاس لخوض المعارك اللاحقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115