والإجتماعية والثقافية بأكثر عدل، وعلى قدم المساواة ودون تمييز بعيدا عن اللون والعرق والدين والجنس والرأي السياسي أوحتى الأصل الاجتماعي؟ بعيدا عن منطق الكونية والعولمة وعلوم الاقتصاد الحر ونهب الثروات وانتهاك الطبيعة؟ هل سيغيّر هذا الفيروس مقولة «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان»؟ هل سيفرض كوفيد19 هذا المنطق الجديد على العقل الاقتصادي العالمي فتولد سياسات جديدة بمقاييس جديدة بمنطق أكثر رأفة بالإنسان؟ هل سيخفّ التنافر وتهدأ الصراعات ويعمّ التنوع والتعدد؟ هل سيتغيّر جوهر النظام العالمي بقوانينه وبقيمه وأخلاقياته وسياساته وإجراءاته؟ هل ستتغيّر ملامح هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية بما في ذلك البنك الدولي؟ هل سنعيش بمصل جديد يعرّي جشع الإنسان ويحطّم المبررات البائسة للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي فرض منطق المصالح قبل الإنسان وخصوصياته وثقافاته واختلافاته، هذا النظام الذي فرض المادة لا القيمة، حتى تنازعت الدول والمصالح الكبرى على الظفر بالثورات ونهب الأموال من خلال افتعال الحروب وخلق الأزمات.. وهل يتحتّم علينا حقا تجاوز عقدنا التاريخية وحتى النفسية؟
كنّا في معترك الحياة، إلى أن تعثّر بينا كوفيد19، فتبعثرت كل أورقنا رغما عن أنوفنا.. فأصبحنا بحياة جديدة وواقع جديد فرض نظامه ومقاييسه رغما عن أنوفنا أيضا.. من منّا يلازم الحجر عن طيب خاطر؟ لا أحد، لأنّ الإنسان تواق للحرية.. نلازم الحجر خوفا من العدوى أو الموت.. هذا الخطر الخفي جعلنا نخطو خطوة بخطوة والرؤية غير واضحة، في مكان من هذه البسيطة، لا أحد يحمل خارطة طريق بعينها ليجيبنا على سؤال : كيف ستكون ملامح الغد؟ كيف ستكون حياتنا؟
كوفيد19 جعل إجاباتنا مبتورة دائما، ربما وحده الزمن كفيل بإزالة كل الغموض. هذا الفيروس حرّك مخاوف جديدة للبشر، ربما كانت ساكنة.. مخاوف البشر الكثيرة..
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
ولا أحد يعرف طريقه ولا كيف ستكون النهاية؟ على كل حال ما الأرض إلا ذرة ذرة غبار في كل هذا الرماد الكوني الرهيب.. ورغم هذا فقد خلق الإنسان أكوانا أخرى داخله وما على المعرفة إلا أن تكمل طريقها يوما بعد يوم. و في آخر المطاف، عندما يختفي النور سيدرك الإنسان أنّ حياته مهما كانت قاسية ومؤلمة هي فرصة لا تقدر بثمن.
كوفيد19 جعلنا نتساءل، ماذا لو نعود إلى الحياة كما كنا أحرارا، فهذا الفيروس قضم جزء من حرّيتنا رغما عنّا، ماذا لو نعود للحياة بشرا لا آلات اجتماعية؟ ماذا لو نعيد ترتيب إنسانيتنا المتآكلة من جديد؟ ربما علينا أن نحطّم ما ينخر إنسانياتنا من آفات وثقوب سوداء، تلك التي تتحوّل إلى وباء يسكن وينام لقرون ثم يعود في غفلة من الزمن..
أسئلة كوفيد19 مسّت كل شيء، أفكارنا، معتقداتنا، مسلّماتنا، قناعاتنا، وطالت الإنسان أينما كان، هذا الإنسان الراكض اللاهث المسابق ليومه، هدأ فجأة واستكان، هذا الذي كان غارقا في صراعاته وحياته اليومية، حتى تبلّدت روحه وتداعت إنسانيته، وتلاشت قيم وظهرت أخرى، وكأنه جثة نتنة تتطفّل على الحياة.. ربما يعيش ولا يحيا..
كوفيد19 جدّد المعاني وأضاء القيم، ذكرنا أن نرعى أنفسنا، ونعتني بمن نحب، ونتعاطف مع البشر أينما كانوا.. تباعدنا اجتماعيا لكننا اقتربنا من بعضنا البعض.. تحسسنا أشياءنا المهملة، صورنا القديمة، أفكارنا البالية..
كوفيد19 دفعنا أيضا للبحث عن المعنى من جديد، ربما ذلك الذي يجد معنى لحياته تعود رئتاه للتنفس شيئا فشيئا، ويصيبه فيروس الحياة.. نعم آن الأوان لتبدأ رحلة البحث عن المعنى.