مجلس نواب الشعب: مشروع قانون القذف ... في انحراف السلط

نهاية الاسبوع الفارط نشر موقع المجلس مشروع قانون اقترحه 46 نائب بمجلس الشعب عن مختلف الكتل، مشروع من 3 فصول

يحمل عنوان اخلقة الحياة السياسية والاجتماعية ، عبر معاقبة «نشر الاخبار الكاذبة» او القذف اذ طال السياسيين والمترحشين خاصة في السنة الانتخابية.

خلال الساعات الـ48 الفارطة، انشغل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بما عرف بـ»قانون كورشيد»، كناية عن المبادرة التشريعية التي تقدم بها النائب عن حزب تحيا تونس مبروك كورشيد الى مكتب المجلس وطلب باستعجال النظر فيها، بتاريخ 12 مارس الجاري، والتي احيلت وفق موقع المجلس على لجنة التشريع العام.
هذه المبادرة التي حملت امضاء 46 نائبا يتصدرهم كورشيد، نجحت في ان تضم مختلف كتل البرلمان خلف «مبادرة» من ثلاثة فصول تتعلق بإعادة تعريف «القذف» على انه افشاء لخطاب كاذب او مشكوك فيه بكل الطرق سواء بالافتعال او النشر او التوزيع او الارشاد اليه بصفة اصلية او عرضية.
قذف يراد له بعد اعادة تحديد مفهومه ان يكون محل متابعة قانونية تحت بند «الجريمة الالكترونية» التي يعهد لوكيل الجمهورية او من ينوبه متابعتها مع الزام كل المؤسسات المعنية ذات الصلة بمساعدة وكيل الجمهورية في الكشف عن مرتكب الجريمة، كما ان لوكيل الجمهورية ان يتخذ تدابير حمائية لمنع تواصل المضرة الناجمة عن «القذف» خاصة ان كان قبل 6 اشهر من الانتخابات.

ولم ينتهى المقترح عند تعريف القذف بل حدد عقوبته السجنية، وهي سنتين وخطية مالية تتراوح بين 10 الاف دينار و 20 الف، وترفع العقوبة ان جدّ القذف انثناء الانتخابات او في الاشهر الـ6 السابقة له، كما تضاعف ان كانت صادرة عن شخصيات «مستترة» وفي حالة العودة. ولا يقف الامر عن هذا الحد بل يتضمن المشروع المقترح، في فصله الثالث مقترح «الغاء العمل باحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية» المتعلق «بتخفيف العقاب».

مقترح قانون اثار جدل دفع بعدد من النواب الممضين عليه الى التراجع والتنصل منه، على اعتبار انهم لم يطلعوا على مضمونه او أسوا التقدير ، على غرار عدنان الحاجي، فيصل التبيني..الخ، قبل ان يعلن مبروك كورشيد عن نيته سحب المبادرة لتعديلها وإعادة طرحها الى ما بعد انتهاء الوضع الحالي، نتيجة لردود الفعل العنيفة على المقترح من قبل منظمات المجتمع المدني التي تتالت بيانتها طوال امس، بالاضافة الى احزاب ونشطاء .

تراجع النواب عن مقترح قانونهم، ربما يكون خطوة جيدة، فالتراجع عن الخطأ ساعة التفطن اليه محمود، لكن هذا لا ينهى الامر، فالمشروع الذي تقدم به النواب الـ46 كشف ان المشرع التونسي، متمثلا هنا في نواب المجلس، لم يحسنوا بعد فهم طبيعة عملهم والتشبع بفلسفة الدستور –وهي الذي يحدد قواعد اللعبة - وما يقتضيه هذا من تحديد للاولويات، والقصد هنا ليس ان مسعى الحد من الاخبار الكاذبة او القذف ليس اولوية، بل من اجل من هذه المساعي.

ما كشفه المقترح في فصوله الثلاثة، ان المجلس وبعد عجزه عن تحسين صورته ، باداءه، وجد ان تحصين نفسه من اي مس هو الخيار الافضل، فالتجئ الى النص القانوني وتحديد الى تعديل الفصلين 245 و247 من المجلة الجزائية التي تعاقب مرتكب الثلب والقذف بعقوبات تتراوح بين الخطايا والسجن. تعديل ذهب الى التشدد بالرفع من العقوبة الى سنتين، تتضاعف في زمن ألانتخابات ، مع يسلب مرتكب القذف حقه في ان يكون قادر على التمتع بالتخفيف من العقوبة.

هنا تبرز عدة نقاط - تثير الخشية – ان تعلق كيفية اشتغال « العقل» السياسي /البرلماني، لا لنزوعه الى تامين نفسه من اي مس ، بل لنزوعه الى «التسلط» بتوظيف انحرافات لصالحه ، وذهابه الى القصووية في العقاب ليس الا تفصيلا هنا، على ما يعنيه ذلك من نزعة استبدادية.
اذ طالما حمت الانظمة الاستبدادية انفسها بقوانين، ظاهرها لمعالجة اشكالية فعلية، تحد من تدخل المواطنين في الشان العام تدريجيا قبل ان تحرم هذا المجال عليهم، ولنا في تاريخنا المعاصر اكثر من مثال، وتونس احد الدول التي استعملت فيها الانظمة القمعية القانون لمتابعة كل معارضين لها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115