الكورونا المستجدة وباء عالمي : حتى لا نكرر خطأ الآخرين

رغم الاستنفار الظاهر في البلاد ضد فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، إلاّ انه بات غير كاف لضمان تجنب تفشيه في البلاد خاصة

بعد اعلان منظمة الصحة العالمية عن ان الفيروس بات وباء عالميا والإعراب عن قلقها من محدودية تحرك الدول لاحتواء الخطر والسيطرة عليه.
منذ انتشاره في الصين الى الاربعاء الفارط تجنبت منظمة الصحة العالمة تصنيف فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) على انه وباء عالمي لكن خلال الاسبوعين الفارطين تضاعفت الاصابات خارج الصين بـ13 مرة وتضاعف عدد الدول المصابة ثلاث مرات مما اجبر المنظمة على تصنيفها للكورونا كـ«وباء عالمي»، لكنها أكدت أنه لا يزال من الممكن «السيطرة عليه». لكن هذا مرتهن بحسن اتباع تدابير والإجراءات الوقائية ورفع مستويات التحرك لمجابهة الخطر.
خطر احسنت الدولة التونسية ممثلة في وزارة الصحة التعامل معه منذ انطلاقه قبل حوالي الشهرين ، وظلت تراقب الوضع قبل ان ترفع من نسق تحركها مع تسجيل اول اصابة بالفيروس في تونس ولاحقا الاعلان عن الانتقال الى المستوى الثاني في التعاطي مع الامراض الوبائية ، بعد ان ارتفع عدد المصابين الى 7، وتسجيل اخلالات في اجراءات السلامة والوقاية الصحية وعدم احترام المعنيين للحجر الصحي.
تعامل الوزارة والدولة بأكملها بعد دخول مجلس الامن القومي على الخط ، اكثر من جيد، ولكن هذا لم يعد كافيا خاصة على مستوى الاجراءات الوقائية المتبعة والتي لاتزال دون الحد الضامن لمنع انتشار الوباء في البلاد.
اجراءات – نظريا- تحترم «البروتوكول» المتبع في حالات الأوبئة، لكن للاسف هذا غير كاف في ظل وقائع الارض وما تكشفه تجارب الاخرين، خاصة فرنسا واسبانيا وعدد من الدول الاوروبية ، التي تعاملت مع الوباء بذات المقاربة التي ننتهجها اليوم في تونس، وهي مسايرة تطوره وانتشاره وعدم الاستباق بأية تدابير قصوى. مما جعلها اليوم تعاني من انتشار الوباء واقترابها من ان تصبح بؤرا له.


هذه المسايرة التي تنتهجها الدولة التونسية في تعاملها مع الفيروس للأسف غير كافية للتوقي من خطر انتشاره، وما قد يؤدي اليه الامر ان وقع في ظل محدودية الإمكانيات وهذا ما يعنى ضرورة ان تتبع الاجهزة الصحية مقاربة مختلفة تضع بعين الاعتبار عدة متغيرات ، السلوكيات العامة والفردية للتونسيين ، طبيعة الفيروس وعملية تكيفه وتطوره، غياب المعطيات الدقيقة خلال الاسابيع الفارطة وعدة نقاط ان اخذت بعين الاعتبار سيتغير الكثير في المقاربة.
هذا التغيير سيجعل من مقاربة التوقي والحد من انتشار الفيروس تتخذ منحيين، الاول للاجهزة الرسمية والقصد هنا الدولة ومؤسساتها والثاني يناط بعهدة المواطنين، والمنحى الاخير اكثر تعقيدا وصعوبة.
تغيير مقاربة الوقاية
فما يتعلق بالأجهزة الرسمية الامر مناط بتعديل التقييم الذي صنف به المرض اي رفع درجة التأهب واعتبار اننا في مرحلة حرجة ومتقدمة من انتشار المرض مما يعنى اتباع ما ينص عليه البروتكول الصحي في مثل هذه الحالات، وهو سيكون كافيا لتجنب الاسوأ.
اذ التعامل بهذا المنطلق، نحن امام خطر فعلي ، سيقابله الرفع من فاعلية الاجراءات وتوسيع دائرة المشتبه فى اصابتهم او حملهم للمرض ، باعتبار ان كل من يعاني من الاعراض الاولية للمرض هو محل متابعة للتأكد من اصابته او عدمها ، عوضا عن حصر دائرة المشتبه في اصابتهم لدى القادمين من ايطاليا او منهم من في محيطهم او احتكوا بهم.
خاصة وان اجراءات الحجز الصحي الذاتي لم يقع احترامها من قبل عدد لابأس به من العائدين من بؤر المرض ، على غرار ايطاليا ، وهذا يقود الى مسألة ثانية وهي تحديد من هم المشتبه بهم الاصليين ، هل هم فقط العائدون من ايطاليا ام كل عائد من بلد سجل فيه المرض.
الاخذ بهذه المعطيات واعتبار ان الاصابة بالفيروس خطر غير مقتصر على بلد او مجموعة معينة من الناس، سيجعل من الاجهزة الصحية، وهنا بالتحديد الاسعاف العاجل سيمكن المشتبه في اصابتهم من التمتع بالإجراءات التي يقدمها الاسعاف الطبي الاستعجالي، المدخل الوحيد المعتمد للولوج الى منظومة الوقاية من الوباء.
هذا يعني ان تغير الوزارة من اجراءات تحديد المشتبه بهم من الاعتماد على عنصر القدوم من خارج تونس او الاحتكاك بقادم من الخارج الى الاعتماد على الاعراض المتعلقة بالمرض، اذ سيتغير الكثير مما يساعد على تجنب الاسوأ وانتقال المرض الى وباء فعلي يشق البلاد.
ولا يقتصر الامر على تغيير بعض عناصر بروتوكول التعامل مع المشتبه بهم بل انتقال الدولة برمتها الى مستوى اخر في التعامل مع الخطر ، والذهاب في الاجراءات الوقائية الى اقصاها، ومنع تجمع عدد كبير من الناس في مكان مغلق، او على الاقل تحديد عدد واجراءات التجمع في الاماكن المغلقة والعامة.
وهذا يستوجب التحلي بقدر من الجرأة وعدم الخشية من اي قرار قد يكون صادما ، فالمملكة السعودية اغلقت المسجد النبوي والحرم المكي ، ودار الافتاء المصرية افتت بتجنب صلاة الجمعة وغيرها من الاجراءات التي تطال اماكن العبادة.
ولا يقتصر الامر على هذا بل يشمل الانشطة الرياضية والثقافية وغيرها من الانشطة التي تشرف عليها المؤسسات العمومية او الخاصة ، كالمسارح والسينما ودور العرض والملاعب والقاعات الرياضية وغيرها من الامكان المغلقة او التي توفر بيئة لانتشار الوباء او على الاقل تحديد العدد الاقصى الممكن استيعابه في الاماكن المغلقة او الفضاءات المفتوحة وهذا لن يكون ضامنا لعدم وجود خطر الاصابة بعدوى.
الوعي الفردي والجماعي
خلال الايام الفارطة ومع الاعلان عن تسجيل اول اصابة في تونس بفيروس الكورونا المستجد، تعامل التونسيون مع الامر على انه جائحة ستوجب تخزين بعض المواد الغذائية والمواد المطهرة ومواد التنظيف وخلق حالة من الفزع التي لا تغير شيئا، خطر الاصابة والاحتمالات ..الخ.
فالسلوك اليومي للتونسيين، وهم من شعوب البحر الابيض المتوسط، حافظ على سماته، الحميمية في التحية والاتصال الجسدي المباشر، الاحتكاك والأخطر التعامل مع الامر باستخفاف واعتبار انه مبالغ فيه او الظن بان البلاد محصنة من المرض لأسباب غير منطقية او علمية.
هذا يعني ان اي مجهود سيبذل من قبل الاجهزة الرسمية لاحتواء الخطر والتقليص من العوامل الموضوعية لانتشاره سيظل غير ذي جدوى في ظل استمرار سلوكيات فردية توفر بيئة لانتشار المرض او توفر العوامل المساعدة موضوعيا لذلك، سلوكيات النظافة والتعامل والتحية والاحتكاك وغيرها من الممارسات اليومية التي لا يقع الانتباه اليها.
اي اننا اليوم امام خيار تجنب الاسوأ او الذهاب اليه، وهذا يرتبط بمدى التزام التونسيين ببعض الاجراءات الوقائية والسلوكيات التي لم يتعودوا عليها لتيسير عمل الاجهزة الرسمية في التوقي والحماية. واول هؤلاء المحجور عليهم صحيا، هؤلاء عليهم ادراك انهم بعدم احترام الحجر الصحي فانهم يضعون حياة المئات في خطر، وهم بذلك بمثابة القتلة ولا يمكن تبرير سلوكهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115