قادم لأداء اليمين الدستورية، وما بين المكلف ورئيس الحكومة فوارق ومساحة شاسعة، ستكشف عن نفسها خلال الفترة القادمة التي سيكون سؤالها الاساسي «كيف ستتواصل العلاقة بن رجلين يتقاسمان ويتزاحمان على السلطة التنفيذية؟»
يبدو ان الياس الفخفاخ سيكون حريصا على ان تتكفل كلمته - اليوم امام مجلس نواب الشعب اثناء جلسة منح الثقة للحكومة - بنحت صورته كرئيس حكومة فعلي لا كوزير اول لدى رئيس الجمهورية ، لكن على ان لا تحمل هذه الصورة اية مؤشر للتنافر بين رئيسي السلطة التنفيذية وان كان مؤشرا مجهريا.
حرص الفخفاخ على ان لا تصدر عنه اي «لوثة» تعكر العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد، ليس بالأمر المجهول في المشهد فالرجل ومنذ تكليفه كان حريصا على ان يتدثر بشرعية قيس سعيد وأن يعلن عن انتصاره له ولخطه السياسي وما يمثله من رمزية.
انتصار عبر عنه الرجل بأكثر من طريقة لعل ابرزها موقفه من قلب تونس وما نجم عنه من توترات وتصعيد مع حركة النهضة التي رفضت ان تشارك في الحكومة وتمنح الثقة ما لم يعدل الفخفاخ من منهجيته ويشرك قلب تونس باي شكل كان، لكنه رفض ودفع بالحركة للبحث عن حلول غير اسقاط حكومته.
تمسك اراد منه الفخفاخ تأصيل مكانه في اللعبة السياسية وتعزيز الترابط بينه وبين قصر قرطاج على اعتبار انهما يتحدثان ذات اللغة ولهما ذات التصور والهواجس والرغبات، وهذا تم فالقصر دافع عن الفخفاخ باستماتة بشكل صريح دون مواربة، طالما ان الاخير يدافع عن القصر وصاحبه ويدين له بالولاء.
والولاء والثقة ، عنصران هامان في العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنتظر، وهما الى غاية الان متوافران وان كانت الصورة تكشف ان كل رجل احاط نفسه بفريق من ثقاته والمقربين منه ممن لهم تجارب سياسية ، اي ان كل طرف منهما حرص على توفير فريق خاصة لتوفير نجاح مشروعه.
هنا يسكن الشيطان، على اعتبار ان الشيطان يمتهن الاختفاء خلف التفاصيل التي تقدم لنا صورة اولية عن طموح كل من الرئيس ورئيس الحكومة، فبالنسبة لرئيس الجمهورية فقد سبق واكد في اكثر من مناسبة عن كونه سيكون في تواصل مع الحكومة لحل عدة اشكاليات وتطبيق عدة مشاريع على غرار مشروع المدينة الصحية بالقيروان او مشروع السوق المندمج بسيدي بوزيد، وهما المشروعان المعلن عنهما من سلة مشاريع عدة تجعل من الرئيس رجل يخطط ويرسم ويلزم الحكومة بالتنفيذ، بل وينتظر ان يترأس مجالس وزارية تخصص للمشاريع التي ستشرف عليها الرئاسة بشكل مباشر.
اي اننا لسنا امام رئيس نشيط بل امام رئيس، وان لم يصرح بذلك بشكل علني، ينافس رئيس الحكومة في مجالاته التي حددها الدستور. تنافس قد لا يكون كافيا لهز العلاقة الجيدة بينهما ولكنه يدق اسفينا فيها، اي انه وان حرص كلا الرجلين على العكس، سيقدرهما تدريجيا الى التنازع على الصلاحيات.
والسبب في ذلك هو نفسه للرجلين، فان كان الرئيس يرغب في أن يلتزم بوعوده وتعهداته بمعالجة مشاكل اقتصادية واجتماعية خاصة للجهات المهمشة فانه بشكل او بآخر يضع الفخفاخ في الزاوية، خاصة وان الفخفاخ نفسه له مشروعه وتصوره.
اذ ان الفخفاخ ومنذ بداية المشاورات احاط نفسه بفريق مصغر يشترك في كونه من الشخصيات المقربة للفخفاخ والتي يثق فيها وفي انتصارها له ولتوجهاته السياسية ولكن بالاساس يثق في دعمها الكامل له في المرحلة القادمة، وهذا الفريق المصغر لا يتضمن شخصيات تدين بالولاء للرئيس وان كانت دعمته في مرحلة ما خلال الانتخابات الرئاسية.
فريق الفخفاخ هو تماما كفريق الرئيس، موجود لخدمة المشاريع السياسية لكل منهما، وهذا قد يؤدي الى تنازع اعضاء الفريقين فالرئيس يتجه تدريجيا الى تعزيز مستشاريه في القصر وبعث لجان تتبع وقيادة للمشاريع مما يعني ان امكانيات الصدام بين فريق الرئيس والادارة التي يشرف عليها الفخفاخ واردة.
لكن ليس هذا كل ما في الأمر فان اخذنا بقول ابن خلدون «إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق»، ونظرنا الى اخر رئيسي حكومة عرفتهما تونس والى فريقيهما من المقربين والمستشارين، سينكشف للجميع ان الفخفاخ موضوعيا اعاد تجربة يوسف الشاهد لا تجربة الحبيب الصيد.
فالاول اختار منذ البداية ان يحيط نفسه بفريق من ثقاته وهم من اللاعبين السياسيين من خارج حزبه نداء تونس، على عكس الصيد الذي احاط نفسه بخبراء الإدارة. وهذا كشف ان الشاهد كان مسكونا بهاجس المشروع السياسي او تحقيق الطموح وليس فقط بالعمل الحكومي فهو لم ير الامر على انه في مهمة بل امام فرصة تاريخية لتدعيم مستقبله السياسي.
هذه النظرة الى الماضي تسمح لنا بقراءة خيار الفخفاخ ان يحيط نفسه بفريق له ذات مواصفات فريق الشاهد، افراد من الدائرة الضيقة وهم بالأساس من السياسيين . مع عدم اغفال اختلاف الافراد ونواياهم وتاريخهم، لكن موضوعيا يلتقي الشاهد والفخفاخ إذ أنّ كليهما يجد في ترؤس الحكومة قاعدة للانطلاق الى المستقبل. وهنا التقاطع قائم بغض النظر عن الخيار الذي سينتهجه الفخفاخ في المستقبل ، واي خيار سيتبعه في ظل احتمالات عدة.
تقاطع الرجلين، لا يعنى ان الفخفاخ سيكون الشاهد bis، بل يعنى اننا امام احتمالية مرجحة لصدام بين رئيسي السلطة التنفيذية، صدام سيندلع لا محالة ولكن متى وما سببه هذا يظل رهينا بالخيارات التي سيتبعها الفخفاخ بالاساس، فان كان جليا ان الرجل لن يغامر بعداوة صريحة مع قصر قرطاج طالما ان الاخير هو حاميه وسنده السياسي.
لكن هذه الحماية قد تزول مع اول ازمة اجتماعية خانقة تهز البلاد، اذ انها ستختبر العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وبالاساس ستختبر الحد الذي سيبلغه الرئيس في دعم وحماية الفخفاخ حتى وان اتخذ الاخير خيارات غير شعبية. فان حدث ذلك وتنصلت الرئاسة من الدعم حتى بشكل غير مباشر ستكون اولى الصدامات.
هذه احد الاسباب التي قد لا تكون لها علاقة بطموح الرجلين، ولكن هناك غيرها مرتبط بشكل مباشر بمطامح كل منهما، فنجاح الفخفاخ في ترك انطباع جيد لدى الشارع التونسي وقيام حكومته ببعض الخطوات نحو الانجاز، قد تضعانه في دائرة الرضا الشعبي وهذا يعني تعزيز الشعبية وبالتالي نمو حاضنة لمشروع سياسي، ينافس الرئيس قيس سعيد بشكل مباشر.
والتنافس بشكل او بآخر يولد التوتر ولاحقا الصدام، اي اننا امام حتمية صدام بين رئيسي السلطة التنفيذية الا ان اختار احدهم ان يكون ظلا للاخر، وهذا شبه مستحيل.
بين قيس سعيد وإلياس الفخفاخ : هل هي حتمية الصدام بين رأسي السلطة التنفيذية ؟
- بقلم حسان العيادي
- 09:43 26/02/2020
- 1683 عدد المشاهدات
خلال الساعات القادمة سيعود الياس الفخفاخ الى قصر قرطاج لا كمكلف اتى ليعلم الرئيس بتطورات المشاورات بل كرئيس حكومة