التي تشير كل الدلائل على انها ستشهد انتقالا من التعاون الى التنسيق ، لثلاثتهم ولكن ستتطور هذه العلاقة الى الشراكة لتنتهي الى تحالف استراتيجي بين حركة النهضة وقلب تونس.
منذ اطلالة إلياس الفخفاخ الاولى ساعة تسليمه رسالة التكليف من رئيس الجمهورية اعلن الرجل عن خياراته لحزامه السياسي الذي سيحكم معه ، خيار اعتبرته النهضة يستهدفها فقررت الدخول في مواجهة الفخفاخ ومن خلف رئيس الجمهورية متسلحة بورقة قلب تونس الذي فرضته في المعادلة السياسية.
معركة شهدت تطورا هاما منتصف الاسبوع الجاري بما يقترب من اعلان نهاية الحرب، وذلك باللقاء الثلاثي الذي جمع برئيس النهضة راشد الغنوشي ورئيس قلب تونس نبيل القروي والمكلف بقيادة المشاورات الحكومية الياس الفخفاخ، لقاء تبعته تطورات وتعديل في مواقف كل طرف من صاحبه.
الفخفاخ التقى القروي رسميا في قصر الضيافة وان اصر لباقي مكونات حزامه السياسي على ان قلب تونس لن يكون في الحكومة، قلب تونس خفف من حدة خطابه تجاه الفخفاخ واعلن انه لا يطالب بالحكم او بحقائب وزارية، النهضة تراجعت خطوة لتعلن ان المهم توسيع المشاورات وليس قاعدة من في الحكومة.
لقاء 6 فيفري 2020 سيكون حدثا مفصليا في هذه العهدة الخامسة كما كان لقاء باريس بين «الشيخين» الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة رشد الغنوشي، وان كان تنزيل مخرجات اللقاء الاخير قد انطلق اسرع من سابقه. وهذا ما تؤكده تصريحات اصحاب الامر.
لكن بعيدا عما يقال رسميا، تتسرب مؤشرات ودلائل تسلط الضوء على مضمون اللقاء الذي لم يعلم ما وقع الاتفاق فيه غير الثلاثي ولا يبدو ان احدا منهم نقل كافة التفاصيل لأهله وجماعته، وهذا قد يكون جزءا من الاتفاق لضمان سلاسة تنفيذه وتجنب اي تسريبات قد تؤدي الى فشله.
غير ان الحرص على التكتم لم يحل دون ان تتقاطع الروايات في نقاط معينة وان بشكل غير مقصود، وهي صيغة التوافق الذي يتضمن بقاء قلب تونس في المعارضة ولكن دون صدام مع الحكومة التي ستمر في البرلمان بحزامها السياسي المعلن عنه سلفا وهذا لحفظ ماء وجه الفخفاخ، اما النهضة فقد وضع الثنائي كافة الاوراق بيدها والتزموا معها بتحالف إستراتيجي على الاقل بالنسبة لقب تونس والنهضة.
لقاء اعلن عن نهاية زمن الصدام والانتقال الى التعاون بين الثلاثي، الذي سيتطور مع الزمن ليكون شراكة تفرضها الوقائع السياسية والاكراهات خاصة في ظل التطورات الاخيرة في الحزام السياسي للفخفاخ وبداية تفككه ورحيل لاعبيين منه، على غرار ائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي اللذين ان قررا الذهاب للمعارضة قد يجد الفخفاخ نفسه مضطرا لتحالف صريح مع قلب تونس وان ظل الاخير خارج الحكومة.
لكن هذا المآل ليس هو اهم نقطة وقع الاتفاق عليها في لقاء الثلاثي، بل هي مجرد جزئية في اطار حزمة اشمل تمتد على كامل العهدة الانتخابية الحالية اي 5 سنوات، فكما هو جلي لقاء الثلاثي هو بمثابة اعلان صريح من النهضة وقلب تونس انهما غير متحمسين للانتخابات المبكرة وان كان لهما حظوظ بالفوز، وبالنسبة للفخفاخ فان مشاركته تعنى انه حريص على مرور حكومته.
اخذ هاتين النقطتين بعين الاعتبار ووضعهما في الاطار العام الذي تعيش على وقعه الساحة السياسية والبرلمانية، سيعزز من عدد قطع الاحجية الموضوعة في اماكنها ويساعد على رؤية اشمل، للمسار الذي سنتجه اليه في السنوات الخمس القادمة.
فان سارت الامور وفق ما هو مقدر لها، مرور حكومة الفخفاخ بحزامها الطبيعي، فهذا يعني ان النهضة ستكون الفاعل الاول والاساسي في عهدة حكومة الفخفاخ او من يخلفها، ولضمان هذا ستحرص النهضة على عدم مرور التعديلات على النظام الداخلي للبرلمان الذي يجعل رئاسة مجلس النواب دورية تتجدد كل سنة.
حرص النهضة على عدم السماح بها حتى وان ضمنت انتخاب الغنوشي برئاسة المجلس للسنوات الخمس القادمة هو ادراكها ان مرور هذا التعديل سينهي اي دور سياسي فعلي لرئيس المجلس ويجعله مجرد منصب شرفي برتوكولي، وهذا ان تم فان ما تخطط له النهضة وتعمل عليه جاهدة سيسقط كحجر الديمينو ومعه تسقط هي.
هنا تبرز اهمية التقارب وسبب اللقاء الثلاثي، فهي تريد صياغة تحالف مع قلب تونس الذي تنظر اليه قيادات الحركة وابناء التنظيم على انه الاكثر التزاما بمقتضيات التحالف وسيكون في عون الحركة ومعها في المعارك القادمة على عكس حزام الفخفاخ السياسي «الخط الثوري» الذي تقدر انه خدعة منه في اكثر من مناسبة انتخابات رئيس المجلس حكومة الجملي وتمرير تعديلات النظام الداخلي في مكتب المجلس.
حزام لا تثق فيه النهضة ولا ترغب في ان تترك رقبتها تحت رحمته لذلك هي تمسكت بقلب تونس وهذا ما دفعها لإقحامه في المعادلة السياسية والمشاورات كدليل على نيتها ان تطور التحالف معه الى تحالف استراتيجي وان كان تحت خانة الضرورة ، وهو ما قبل به قلب تونس الذي وجد في دفاع النهضة عنه مظلة تحميه وتضمن تجذره في المشهد السياسي بشكل نهائي. وهو ما استوعبه الفخفاخ الذي يدرك ان وصوله للقصبة مرتبط بالنهضة لا احد غيرها وان بقاء قلب تونس قريبا منه سيكون ورقة ضمان لأية تقلبات.
رهانات كل طرف هي التي دفعته للتقارب وهي التي تحرك وتحدد فلسفته العامة، ولكن السياسة ارض متحركة لا شيء ثابت عليها ، خاصة وان كانت الارض رملية غير مستقرة، اي ان أي عامل قادر على ان يعيد خلط الاوراق وهدم ما تم بناءه.