على هامش المشاورات الحكومية وخيارات الفخفاخ : صراع الشرعيات أم صراع الأستاذ والشيخ؟

بات جليا أن حركة النهضة تنظر الى قصر قرطاج على انه خصم وغريم وان استتر العداء بينهما خلف كلمات مختارة بدقة. ليكشف

في احدى محطات هذا الخلاف وهي مشاورات تشكيل الحكومة التي تدار اليوم في ظل صراع على اي شرعيات يلتزم بها الفخفاخ، شرعية الرئيس المكلف ام شرعية المجلس المانح للثقة والحاجب لها.

منذ يوم الجمعة الفارط والصراع بين حركة النهضة والياس الفخفاخ قد اعلن وبعبارات حادة من قبيل «انقلاب» واتهامات بالدفع بالبلاد الى حافة ازمة، لينفض الغبار ويكشف ان الصراع مع الياس الفخفاخ ليس إلا واجهة لصراع اشد واعنف مع رئيس الدولة قيس سعيد.

فحركة النهضة التي التقى رئيسها راشد الغنوشي بالمكلف بتشكيل الحكومة إلياس الفخفاخ امس تمسكت بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها اكبر عدد من الاحزاب والكتل، وخاصة كتلة قلب تونس التي قال فخفاخ انها لن تشارك في المشاورات.

فخفاخ الذي اختار ان يجعل من الاحزاب الداعمة لقيس سعيد في الدور الثاني من الرئاسية حلفاءه المفترضين اعتمد على خطاب كشف فيه انه سيلجأ الى شرعية الرئيس وناخبيه واعتماد فلسفته في ادارة الشان السياسي وتصنيف العائلات والاحزاب، مع الثورة او ضدها. مع الرئيس او ضده.

نهج اعتبرته حركة النهضة اقرارا صريحا من المكلف بأنه لن يعتمد نتائج الانتخابات التشريعية بل الرئاسية التي سوقها فخفاخ على انها السلطة الاصلية صاحبة الشرعية في مسار تشكيل الحكومة في هذه الجولة الثانية منها. بتمسكه بانه اختير من قبل الرئيس الذي صوت له 2.7 مليون ناخب، ولم يقف الفخفاخ عند هذا الحد بل قدم قراءة لهذا الخزان ومصدره ليشير الى ان 70 % على الاقل من ناخبي الاحزاب والكتل، باستثناء قلب، تونس صوتوا لقيس سعيد في الدور الثاني.

هذا التلميح لم يكن بريئا فالرجل اراد ان يعلم الاحزاب ان الرئيس هو صاحب الشرعية الاصلية والمعبر عن الناخبين، حتى ناخبي تلك الاحزاب الفائزة في التشريعية، وهو ما تلقفته النهضة كاثبات اخير على ان هناك ما يدبر بليل. وما انتهت النهضة الى انه يحاك ضدها وضد المجلس لم يكن سوى ما عبر عنه سيد الفرجاني بانقلاب على المجلس لصالح القصر، وهو ما ينسف النظام السياسي الحالي، وهذا ما يتناقل في كواليس النهضة ونقاشاتها الداخلية.

نقاشات اختارت ان تعلن المواجهة الصريحة مع الفخفاخ ومن خلف مع قصر قرطاج بالتمسك بان شرعية الرئيس تقف عند صلاحياته الدستورية، التي لا تخول له ان يعين او يراقب ويحاسب الحكومة، بل هي صلاحيات حكر على المجلس، وما دور الرئيس في مسار تشكيل الحكومة في مرحلتها السابقة او اللاحقة الا تكليف او اختيار الشخصية الاقدر بعد المشاورات.

صلاحيات تعتبر النهضة ان خطاب التكليف اشار اليها بشكل صريح، وتستند الى بلاغ رئاسة الجمهورية الصادر في 20 جانفي الجاري والذي يشير في متنه الى «يخوّل الفصل 89 من الدستور، لرئيس الجمهورية تحديد الشخصية التي يراها الأقدر على تكوين حكومة متيحا بذلك للجهة التي منحها سلطة التقدير أن تختار من يتراءى لها أنها الأقدر».

وتعتبر النهضة ان الإشارة الى «احترام إرادة الناخبين والناخبات في الانتخابات التشريعية» اضافة الى القول الصريح بان «الحكومة التي سيتم تشكيلها لن تكون حكومة رئيس الجمهورية بل هي التي سيمنحها مجلس نواب الشعب الثقة»...«والكلمة الفصل هي للمجلس وحده عند عرض الحكومة بكامل أعضائها على الجلسة العامة».

هذا البلاغ اعتبرته النهضة الحبل الذي ستقيد به الفخفاخ والرئيس نفسه، فهي تستند الى اشارة الرئيس الصريحة بان المجلس هو من يمنح الثقة لتعلن عن انه لا شرعية للحكومة من خارج المجلس وان الشرعية الرئاسية تقف عند الرئيس ولا تمتد لتشمل غيره.

هذا الصراع الذي انخرطت فيه النهضة بكل ادواتها وثقلها ليس مجرد معركة بالنسبة اليها بل هي حرب وجود، فالنهضة تعتبر ان القصر وعن طريق الفخفاخ يريد اسقاط النظام السياسي وتعديله لصالح الرئيس الذي لن يقف عند هذا الحد بل توقن النهضة انه سيتقدم خطوات اكثر ليصل الى المجلس في القادم.

وصول تعتبره النهضة سيتم عبر اعادة رسم التوازنات في البرلمان، سواء المتعلق بالمجلس كمؤسسة وسلطة او بالتوازنات الداخلية صلبه ، ففي الجانب الاول تعتبر النهضة ان الاقرار بان الحكومة تستمد شرعيتها من الرئيس سيعني وللابد انهاء اي دور ممكن للمجلس في الساحة غير تمرير القوانين، وهذا ما ترفضه الحركة.

اما الصعيد الثاني فيتعلق بان انخرام التوازن لصالح القصر على حساب باردو سينعكس على النهضة وقد يمهد لخطوات تستهدفها في المجلس تنطلق بإسقاط الغنوشي من كرسي رئيس المجلس.

لذلك ودون مواربة اعلنت النهضة انها في صراع مفتوح مع الرئيس وتبحث عن اجباره على الخروج والالتحام معها مباشرة في الصراع، مما قد يعني اننا سنشهد خلال الايام والاسابيع القادمة صراعا محتدما بين الشيخ والاستاذ لن يقف عند الحكومة بل سيمتد ليشمل كل نواحي الحياة اليومية للتونسيين، التي انخرط كلاهما فيها على غرار «معركة الزيتون» التي جدت في ديسمبر الفارط.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115