حركة النهضة والمشاورات الحكومية: اشتراط مشاركة قلب تونس وإعلان المواجهة مع الرئيس

72 ساعة فقط كانت كافية لتحدد حركة النهضة موقفها من إلياس الفخفاخ وخياراته في قيادة مشاورات تشكيل الحكومة.

موقف واضح حاد على غير ما اعتادته الحركة ، وهو اما توسيع قاعدة المشاركة او الذهاب لانتخابات مبكرة، هكذا دون مواربة. فالنهضة لا طاقة لها بان تجر الى دائرة التبعية للرئيس وما يلحقها من تداعيات.

يوم الاحد الفارط اعلن مجلس شورى النهضة عن موقفه من المسار الذي انتهجه إلياس الفخفاخ في مشاورات تشكيل الحكومة ، وهو رفض الاقصاء والتمسك بتوسيع قاعدة المشاركة لبلوغ حكومة وحدة وطنية، تضم اوسع طيف من الاحزاب.

موقف عبرت عنه الدورة الـ37 لمجلس شورى النهضة التي اختارت ان تلحق بيانها بندوة صحفية لشرح اسباب هذا الموقف، وهو ما جد يوم امس حينما اطل عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى وكشف في الندوة بمقر الحركة عن حججها لاتخاذ هذا الموقف.

النهضة وان كان في ظاهر خطابها تحدثت عن أمرين. اولهما يتعلق إلى أي الشرعيات يجب ان يلجأ الفخفاخ، والثاني بأي تحالف حكومي يجب تأليفه. فإن الجامع بينهما خيط سميك تريد الحركة ان لا يلتف حول رقبتها فيهلكها. والحبل هو هيمنة الرئيس على المشهد وتنزيل هذه الهيمنة على توازنات مجلس النواب.

لذلك حرصت النهضة ومنذ بداية بيان مجلس الشورى ومداخلة رئيسها على ان إلياس الفخفاخ المكلّف بتشكيل الحكومة «يستمدّ شرعيته من البرلمان لا من شعبيّة رئيس الجمهوريّة ، وعليه تشكيل حكومته في إطار احترام الدستور وصلاحيات البرلمان والصلاحيات المخوّلة له كذلك كرئيس حكومة مكلّف».

ولا تقف النهضة عند هذا الحد بل تشدد بلسان الهاروني على ان تونس « ليست أمام اختيار وزير أوّل لدى رئيس الجمهورية وبالتالي لا للقول بحكومة الرئيس ومن يريد تشكيل حكومة عليه الذهاب إلى البرلمان»، فالشرعية التي تبحث عنها اية حكومة من وجهة نظر النهضة في البرلمان ولا مكان اخر غيره.

تمسك النهضة بان يكون المجلس صاحب السلطة ومانح الشرعية لم يمر دون ان تحاجّ الحركة على اصالته بخطاب التكليف الذي تعتبر الحركة أنه يلزم الفخفاخ باحترام شرعية المجلس ويوصيه بان يبحث عن حزام سياسي واسع لحكومته.

هذا الخطاب اعتبرته النهضة هدية من السماء لتلجم به الفخفاخ وتلزمه بما ورد فيه، وما يرد فيه لا يقف عند موضع الشرعية بل يمتد ليشمل الحزام السياسي الذي قال الهاروني «إنّ اقتصار رئيس الحكومة المكلّف الياس الفخفاخ على التشاور مع الأطراف المعلن عنها غير كاف لتكوين حكومة» لذلك فعليه ان يسعى إلى توسيع المشاورات مع الكتل البرلمانية الاخرى .

كتل تشمل بالاساس قلب تونس الذي طلب الهاروني من الفخفاخ ان يتشاوره معه ومع غيره من الكتل، للوصول الى حكومة وحدة وطنية وصفها بانها الحل الوحيد الذي بقي لتونس في ظلّ الصعوبات الاقتصادية والإجتماعيّة التي تعيشها، وان تجربة النهضة في الجولة السابقة من مسار تشكيل الحكومة مع الجملي، كشفت ان البحث عن حكومة مسنودة باحزاب الخط الثوري لن تنجح وستسقط بمجرّد الاختلاف بين حزبين .

حجة يعتبرها اساسية لشرح تمسك حركته بمشاركة عدد اكبر من الاحزاب والكتل في المشاورات وان قلب تونس لم يعد حزبا منبوذا فكل الاطراف السياسية تتعامل معه ولها اتصالات به وبقادته والوضع اليوم لا يسمح بتقسيم التونسيين.

هذا موقف النهضة، القائم على ركيزتين اولهما مرتبط بالثانية ، العودة لشرعية المجلس لتوسيع قاعدة المشاورات وتشريك احزاب اكثر. دون ذاك فان الحركة مستعدة لكل الاحتمالات وقد اوصى مجلس شوراها مكتبها التنفيذي بالاستعداد لاي طارئ وان كان بحجم الانتخابات التشريعية المبكرة.

استعداد شدد الهاروني انه ليس تهديدا لأي طرف وإنما هو إجراء معمول به في التقاليد الديمقراطية، مضيفا أنّه على الجميع تحمّل المسؤولية للنجاح في تكوين حكومة أو العودة إلى الشعب التونسي. هنا يلقى الرجل بعصاه ليمسك بها الفخفاخ وهي ان الحركة لم تقرر بعد ان كانت ستشارك في الحكومة وتمنحها الثقة فالأمر عائد لمجلس الشورى الذي سينظر فيما بلغته المشاورات مع الاخير.

ما اعلنته امس النهضة بشكل صريح ومباشر دون مواربة انها لن تقبل بان يسحب البساط من المجلس لصالح رئاسة الجمهورية ولن تقبل بان يصاغ تقليد جديد يجعل من الرئيس صاحب الامر في نظام سياسي يقوم على ثلاثة رؤساء، وللبرلمان فيه نصيب من السلطة والقوة.

موقف النهضة الذي يقوم بالاساس على رفض نزع الشرعية يجعلها تضع الفخفاخ ومن خلفه قصر قرطاج، كما في قراءتها، امام حتمية اتخاذ قرار من اثنين اما المغامرة بالذهاب الى انتخابات تشريعية مبكرة ستحمل خصما عنيدا لكليهما او القبول بالعودة لشرعية المجلس التي لن تتم دون الحاق قلب تونس بالمشاورات.

هنا لم يعد قلب تونس مجرد حزب فاز بالمرتبة الثانية في الانتخابات السابقة بل بات ورقة ضغط ورمحا بيد النهضة التي تريد به ان تقارع جماعة الرئيس ومهندسي عزلها التدريجي في المشهد، وهي بذلك تدفع الى المواجهة المباشرة بينها وبين صاحب قرطاج الذي تعتبره يختفي خلف الفخفاخ ويتحكم بالمشهد خلف الستار.

مواجهة تريد منها النهضة جر قيس سعيد الى أحد الخيارات، اما الاكتفاء بما له من دور وصلاحيات او اللعب بشكل مكشوف على الطاولة والدفاع عن مشروعه السياسي الذي تعتبره النهضة كافيا لرص الصفوف ضده.

لذلك فالنهضة وبشكل مباشر وصريح تضع الفخفاخ ومن خلفه الرئيس امام احد الخيارات اما القبول بشروطها او الذهاب الى المجلس دون اغلبية فتسقط الحكومة ومعها المجلس ويعود الجميع الى الصندوق في اشهر معدودات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115