كتلة النهضة لحشد دعم الحكومة وكتلة تحيا تونس للإجهاض عليها ، لتنتهي «معركة الرواق» ومع نهايتها تهيئ ارض جديدة لتحالف يبدو انه سيجمع الثنائي ذاته.
مع حلول الساعة التاسعة من صباح امس انطلق توافد اعضاء حكومة الحبيب الجملي على مجلس النواب لحضور جلسة منح الثقة وهم املون بان تخمينات رئيسهم ستصيب، وان تمر الحكومة بأغلبية وان كانت بالكاد توفر 109 أصوات بنعم.
امل ولد بعد تصريحات رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بانه واثق من مرور حكومته، وسبب الثقة ان لديه دعم حركة النهضة ودعم كتلة ائتلاف الكرامة، والاهم هو دعم نواب من كتل مختلفة اولهم كتلة قلب تونس، نواب سيصوتون لصالح حكومته ضد توجهات كتلهم واحزابهم.
هذا القول كرره رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني، ومن بعده عدد من نواب حركة النهضة الذين ملؤوا بهو المجلس امس في محاولات لحشد الدعم لحكومة يشيرون الى ان لديهم تجاهها تحفظات، ولكن المصلحة تقتضي ان تمر الحكومة على ان يقع تعديل تركيبتها لاحقا.
امس لم يكن الحدث ما اعلن في الجلسة ولا خطابات النواب وكلماتهم سواء الناقدة للحكومة او الداعمة لها، بل كان المشاورات والمناورات التي عاشها المجلس وخاصة بهوه الرئيسي ومقصفه /الكفيتريا، اذ هناك حسم الامر وحدد مصير الحكومة.
حكومة ولجت المجلس في ظل توقعات لكتلة النهضة بان حظوظ مروروها وسقوطها متساوية ، او كما عبر عدد منهم «50/50»، هذا التفاؤل مرده ما لا تعلنه النهضة بشكل رسمي ، وهو العمل على تعزيز الخلاف صلب كتلة قلب تونس لضمان اصوات لصالح الحكومة.
فالنهضة تدرك ان كتلة قلب تونس دخلت الى جلسة منح الثقة في ظل خلافات بين شقين ، الاول يعارض الحكومة ويرفضها قطعيا ، وهو ما عبر عنه رئيس الحزب نبيل القروي، الذي كان متواجدا يوم امس، والثاني هو شق ذو وزن نسبي في الكتلة يرى ضرورة منح الحكومة الثقة ويدافع عن هذا الخيار بشدة. وابرز وجوه هذا الشق كان حاتم المليكي ورضا شرف الدين.
كتلة شقها الاختلاف وهو ما تصيدته حركة النهضة بشكل جلي وواضح فتحركت من اجل اقناع المتململين في قلب تونس بالتصويت لصالح الحكومة، وتحركت لإقناع نواب من هنا وهناك للقيام بذات الامر، خاصة من كتلة المستقبل التي راهنت النهضة على ان جزءا منها سيكون في صف الجملي، اضافة الى اللعب على العنصر الجهوي ومحاولة اقناع نواب جهة القيروان من مختلف الكتل بالتصويت لصالح الرجل.
محاولات النهضة التي طالت كل شيء، واعتمدت على كل حجة متوفرة لضمان رفع عدد النواب الداعمين للجملي، خاصة وانها تدرك انها تواجه منافسة شديدة من كتلة تحيا تونس في توجيه اصوات النواب. نواب حاولت اقناعهم بالصالح العام تارة وبالمؤامرة طورا.
اذ يوم امس كان بامتياز يوم «الصراع» بين تحيا تونس والنهضة ، على من يؤثر في النواب وخاصة نواب كتلة قلب تونس ويدفعهم للتصويت لفائدة تصوره ، فان كانت النهضة تعمل على حشد اصوات بنعم فتحيا تونس عملت على ان تدفع بالمترددين الى قول لا لحكومة الجملي وإقناع من له نزعة للتمرد في قلب تونس على ان يصوت بلا.
معركة شهدها رواق المجلس ومقصفه بين كتلتين، اولهما النهضة تضم 54 نائبا، والثانية كتلة تحيا تونس بـ14 نائبا، اعتمدت على التشويش والعلاقات الشخصية والاهم على الإشاعة، فكل طرف سعى الى ان يخلق موجة تخدم صالحه، فالنهضة عملت على ان تعزز صورة مرور الحكومة لإغراء نواب بالتصويت لها باعتبار انها الحصان الرابح، فيما العكس اتته كتلة تحيا تونس التي شددت في خطابها على ان الحكومة سقطت وان التصويت بنعم لها مغامرة قد تعود بنتائج وخيمة خاصة على اولائك الذين سيتمردون على احزابهم.
على وقع هذا الصراع عاش المجلس أمس وتحرك كل من فيه في محاولة لكسب المعركة وهذا يمر عبر كسب كتلة قلب تونس التي فرض عليها ان تعيش تحت ضغط طوال اليوم، مما اجبر رئيس الحزب على التواجد في البرلمان لضمان تماسك الكتلة والتزامها بموقف الحزب. تواجد القروي لم يمر دون لقاء براشد الغنوشي رئيس المجلس والحركة، لقاء انتهى والموقف الرسمي لم يتغير وهو رفض منح الثقة.
ولئن الحرب لا تدوم الى مالا نهاية ولا تنتهي قبل تهيئة مناخات لما هو قادم ، معركة الرواق امس بين تحيا تونس والنهضة حملت معها مؤشرات ابرزها ملامح المرحلة القادمة، والموقف من حكومة الرئيس ومن سيكون صلب هذا الحكومة ومن خارجها.
فالحركتان اللتان تصارعتا في ملف الجملي هيئتا الارض لتتقاطعا في مرحلة ما بعد الجملي، فكلتاهما وضع نظره على المستقبل وانطلق في الاعداد له ، خاصة تحيا تونس التي قرنت اسقاط الحكومة ودفعها في هذا الطريق بتهيئة تحالفات حكم جديدة تحت راية رئيس الجمهورية.
تحالفات جعلتها تجس نبض جل الكتل- باستثناء كتلة الدستوري الحر وائتلاف الكرامة – وخاصة كتلة النهضة التي لا تعتبر نفسها خسرت الحرب طالما انها لا تزال قادرة على التاثير في المرحلة القادمة.
مرحلة عنوانها الأبرز حكومة الرئيس التي اعلن اكثر من طرف سياسي دعمه لها مما يفتح الباب امام تحالف حكم غير صريح قد يضم كل المتخاصمين بما فيها حركة النهضة، التي ستجد نفسها جزءا من المشهد لا اللاعب الابرز فيه ومشاركتها في الحكم مرتهنة بمواقف خصومها إذ هم من سيتحكمون في نسق تحميل حكومة الرئيس.
نتائج التصويت على منح الثقة للحكومة:
134 صوتا بـ«لا» هي ما حصدته حكومة الحبيب الجملي يوم امس في نهاية اشغال جلسة منح الثقة بمجلس نواب الشعب، مقابل 72 صوتا بنعم و3 محتفظين.
نتائج أفضت لعدم مرور الحكومة مما يترك المجال امام خيار حكومة الرئيس.