الكل يسارع خطاه لضم تونس الى حلفه او ضمان عدم حيادها، سعي ينتهى الى رجلين، «الأستاذ» رئيس الجمهورية و«الشيخ» رئيس مجلس النواب.
يبدو ان البلاد لم تغادر بعد نطاق زيارة الرئيس التركي طيب رجب اردوغان، فمع مغادرة الرجل للتراب التونسي اثر لقائه برئيس الجمهورية قيس سعيد والدبلوماسية التونسية تعيش على نسق لم تعهده في السنوات الاخيرة، زيارات لم تنقطع لوفود دبلوماسية تمثل قوى دولية واقليمية.
وفود حل ركبها بتونس خلال الايام الفارطة مع تصاعد وتيرة الازمة الليبية بالتزامن مع انتشار جنود اتراك في العاصمة طرابلس، وفق ما تتضمنه مذكرة التفاهم بين حكومة فايز السراج والدولة التركية، التي ابرمت في نوفمبر 2019.
اخر من حل ركبه كان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، مصحوبا بوزير الدولة للشؤون الإفريقية أحمد بن عبد العزيز قطان ، زيارة عنوانها الرئيسي دعوة العاهل السعودي الرئيس التونسي لزيارة المملكة.
دعوة لزيارة رسمية لم تكن هي فقط ما حمله وزير الخارجية السعودي، الذي حمل رسالة من العاهل للرئيس قيس سعيد تهنئه بالفوز في الانتخابات وتعلمه بحرص المملكة على التعاون الثنائي بين البلدين خاصة في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
احدى تلك القضايا التي تشير اليها رسالة الملك السعودي دون ان تفصح عنها بشكل وضاح هي الملف الليبي والتدخل العسكري التركي، وهي ايضا قضية تعتبرها فرنسا مشتركة، فوزير الخارجية الفرنسي حل منذ اول امس بتونس، والتقى الرؤساء الثلاثة للسلطة، رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الاعمال.
لقاءات تعددت لكن كما في زيارة وزير الخارجية السعودي، حمل الوزير الفرنسي دعوة رسمية للرئيس التونسي لزيارة بلده، دعوتان رسميتان للرئيس ليستا فقط ما وجه اليه، فقد سبق واعلنت رئاسة الجمهورية ان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل قد اتصلت بالرئيس ودعته هي الاخرى لزيارة رسمية الى ألمانيا.
هذا الكم من الدعوات لم يكن منفصلا عن تطورات الوضع الليبي وتوقع احتدام الحرب هناك، وما يترتب عن ذلك من اوضاع جديدة، لا تطال التراب التونسي فقط بل تهدد منطقة البحر الابيض المتوسط. تداعيات جعلت الامم المتحدة ممثلة في مفوضية اللاجئين تعلن عن استعدادها لدعم الدولة التونسية لاستقبال اللاجئين الفارين من الحرب في ليبيا.
في خضم كل هذه التطورات التي تكشف سعي القوى الدولية والاقليمية الى التاثير في الدبلوماسية التونسية او محاولة ضمها لصفها، لكنها بالاساس تكشف عن عنصر جديد يتمثل في ان جل من زاروا الدولة التونسية من وفود دبلوماسية رسمية او قادة الصف الاول في دولهم، التقوا علنا او دونه برئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي.
لقاءات نشرت بعض تفاصيلها التي تكشف ان ما حملته الوفود لم يتغير في لقائها برئيس الدولة او رئيس المجلس، فالنقاش يتعلق اساسا بليبيا وان سوق على غير ذلك، فالملف الليبي هو ما يحضر بقوة في كل اللقاءات والتحركات الدبلوماسية التي تقوم بها عواصم عربية وأوروبية للتأثير في الموقف التونسي.
البحث عن التأثير قاد هذه الوفود الى قصر قرطاج، لمحاولة فهم ما يفكر فيه الرئيس باعتبار ان جل العواصم لاتزال تجهل كيفية اشتغاله وتوجهاته الدبلوماسية خاصة في الملف الليبي وعدم وضوح الموقف من التدخل التركي.
البحث عن فهم الرجل لم يحل دون ان تتجه هذه الوفود على غرار وزير الخارجية الفرنسي الى مجلس النواب واللقاء بالأحضان مع رئيسه راشد الغنوشي الذي يبدو ان اللقاء به بات على قوائم الزائرين لتونس. وهذا يعكس امرين أساسيين اولهما ان الرجل بات ينظر اليه على انه احد الفاعليين بشكل مباشر في السياسات التونسية، وذلك على خلفية رئاسته لحركة النهضة، الحزب الاول في الانتخابات والذي استطاع الصمود طوال هذه السنوات دون تفكك.
ثانيها ان الرجل بات اليوم جزءا من الدولة والسلطة بمنصبه الجديد كرئيس لمجلس النواب، وكلا الامرين يجعلانه محل اهتمام الباحثين على التاثير في السياسات التونسية خاصة وانه بات يعرف لديهم بـ»عقلانيته» السياسية، ونزوعه الى التوافق.
ما تعيشه اليوم تونس من احداث للاسف كشف ان الدولة باتت برئسيين، اولهما رئيس الجمهورية وما يمثله من ثقل ووزن سياسي لكنه لايزال محل تمحيص من الجميع لعدم وضوح خياراته، وثانيها رئيس مجلس النواب الطامح الى ان يلعب ادوارا تتجاوز اطره ولكنه يحتكم الى اوراق لعب تمكنه من اللعب بشكل صريح في اكثر من ملف سياسي.