لكن ما لم يتضح بعد كيف سيقع اخراج الأمر اذ ان هذه المرحلة الأساسية تمهد للمرحلة القادمة التي يبدو ان الكثيرين باتوا مدركين لعنوانها الرئيسي، قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية ومن سيكلفه بتكوين الحكومة.
في الكثير من الاحيان يستعير البارعون في السياسة ادواتهم من عالم الخدع/السحر ومن الالعاب الاستراتيجية ، خاصة على تقنيات الالهاء وملئ المساحات لتضيق الخناق على الخصم او المشاهد او اي كان من تقام امامه الخدعة او تحرك القطع على الرقعة لمحاصرة قبل اعلان موت الملك.
هذه الاستعارة شهدناها خلال الايام الفارطة، من لاعب يبدو انه اختار منذ البداية وجهته وما يريد، ولكنه لضمان نجاح خطته اعتمد الهاء بقية اللاعبين الى حين حلول التوقيت المثالي لعرض خدعته الكبرى، وهي هنا اسقاط حكومة الجملي قبل وصولها للبرلمان بساعات.
اللاعب هنا هو رئيس حكومة تصريف الاعمال يوسف الشاهد الذي اجاد في الشهرين الفارطين اللعب بما لديه من اوراق ليشغل البقية عن الهدف الاساسي الذي نصبه امام عينه، وهو حكومة يكلف رئيس الجمهورية قيس سعيد مرشحا لتكوينها بعد فشل المكلف من الحزب الاغلبي في القيام بذلك.
تصور فكك الشاهد اركانه ويبدو انه عن حسن تخطيط او حسن الصدف وتقاطع خطط اخرى مع خطته، وجد نفسه في نهاية المطالف قد حقق ما اراده، وهو الحلول دون مرور الحبيب الجملي من البرلمان ونيل ثقة نوابه، ولتحقيق هذا عقد الشاهد صلح مع «عدوه» اللدود نبيل القروي.
عدو ادرك الشاهد ان عدم التوجه اليه وعقد صفقة معه او توافقات ستسقط كامل خطته، لذلك حرص الرجل خلال اليومين الفارطين على عقد الصلح وتجاوز الخلاف مع نبيل القروي وحزبه قلب تونس وبهذا نجح في ما بحث عنه منذ البداية، اغلبية برلمانية تتقاطع في رفض حكومة الجملي، فقط النهضة وائتلاف الكرامة من سيدعمانها ان توجهت للبرلمان.
هذه الاغلبية التي نجح الشاهد في الوصول اليها، لم تكن وليدة تمشي ايام، بل هي نتاج سياسة امتدت على اسابيع، واعتمدت التلاعب بالطرف الاخر وهو الجملي، لطمأنته وجعله يرخي دفاعاته ويتخلى عن الحذر الذي ربما كان قد ينجيه، فحركة تحيا تونس تلاعبت ببقية الفاعلين بعدم حسم خيارها بشكل نهائي، فهي تركت كل الابواب مفتوحة لاغراء البقية.
ابواب بعضها فتحته الحركة وقادتها عن قصد لجر البقية على غرار العودة للمشاورات في ديسمبر الفارط وإقناع الجميع بضرورة تشكيل حكومة الخط الثوري لتفادي ما قد تحمله الايام من خطر على البلاد ، بل ان الحزب عبر احد قادته دفع في اتجاه هذا التقارب واستغل تصريحات قيس سعيد في 17 من ديسمبر لحث البقية على الذهاب لخيار حكومة الثورة.
حكومة دافعت عنها حركة تحيا تونس الى ان وجهت اليها رصاصة الرحمة قبل ساعات من الاعلان عنها، مما ترك الجملي والنهضة امام خيارات محدودة ، افضلها من وجهة نظرهما حكومة كفاءات تحظى بدعم النهضة وقلب تونس وكتل اخرى.
لكن حتى هذا التصور والمخرج لم يترك دون ان تحاصره حركة تحيا تونس التي انتهت بضم قلب تونس، عدوها السابق الى حلف غير رسمي عنوانه الاساسي فتح الطريق لحكومة «الرئيس».
هذا الاسم للحكومة لا يرد في الدستور بشكل صريح، ولكنه يتخفى خلف تكليف الرئيس لشخصية بتشكيل حكومة بعد مشاورات تمتد لـ10 ايام ، هذا ما بحث عنه الشاهد منذ البداية ونجح في الوصول اليه امس بشكل رسمي. بضمان اصطفاف اكثر من 130 نائبا ضد الحكومة.
هؤلاء النواب يضمون كتلا عدة بعضها تقاطعت سبله مع مسار باقي الكتل، على غرار كتلة الدستوري الحر ونواب حزب الرحمة الذين وجدوا انفسهم جنبا الى جنب اليوم مع كتل على غرار الكتلة الديمقراطية وكتلة قلب تونس وتحيا تونس والكتلتين التقنيتين، يقفون ضد حكومة الجملي التي لا يعلم ان كان الرجل سيواصل سيره ويذهب بها الى المجلس بعد ان استطلع امس موقف جل الكتل.
ذهاب قد يضع الرجل في حرج دون طائل، وهذا يترك له خيار الاعتذار عن التكليف وفي الحالتين الرجل سيمهد للمرحلة القادمة، وهي مشاورات سيقودها قيس سعيد قبل تعيين شخصية لتشكيل حكومة يبدو انها لن تمر دون حركة النهضة.
حركة وان كانت الاحداث وخطة تحيا تونس في ظاهرها تستهدفها الا انه من الصعب القول ان الحركة لا تعلم من قبل بهذا المسار وربما دعمته وباركته، ففي النهاية هو يقدم لها مخرجا لعقد تحالفات واسعة تحت غطاء «الرئيس» او ربما يقدم لها ما هو افضل من ذلك.