باتت محل تشكيك مع مطالبة بتعديلها قبل عقد جلسة نيل الثقة، مطلب تدرسه النهضة وهي مدركة انها وحكومتها امام ورطة قد لا تكون دستورية ولكنها بالتاكيد سياسية.
في حواره مع الزميل شاكر بسباس لإذاعة «شمس اف ام» اكد رئيس الحكومة المكلف انه لن يقبل باجراء تعديل على حكومته المقترحة، وانه إذا قرر تعديلها فسيكون ذلك بعد نيل الثقة من مجلس النواب في الجلسة المقررة بتاريخ 10 جانفي الجاري.
رفض قابل به الجملي مطالبيه بتعديلات على قائمته المقترحة، وهؤلاء هم بالاساس حركة النهضة التي تدرك اكثر من غيرها انها ستجد صعوبة في تسويق حكومة الجملي لدى قياداتها، ناهيك عن حلفائها المفترضين، على غرار كتلة ائتلاف الكرامة التي ستجد نفسها امام حرج كبير إذا ناقضت موقفها الرافض لحكومة تضم قلب تونس.
وضع حرج وجدت النهضة نفسها فيه وباتت تبحث عن تخفيف وطأته بالبحث عن تعديلات تطال اسماء بعينها في حكومة الجملي، وذلك لضم كتل برلمانية الى صفها وصف الحكومة المقترحة، بحث دفعها الى ان تستند على حليفها الخفي قلب تونس لتأخير جلسة نيل الثقة الى موعد توفر فيه نسبيا لنفسها هامشا للتحرك.
تحرك هدفه الاساسي اقناع الجملي باجراء تعديلات على القائمة، وهذا يضعها امام معضلة دستورية، فالدستور الذي صمت عن مثل هذه الحالات فهو لم ينص او يمنع تعديل قائمة الحكومة المقترحة بعد وصولها الى البرلمان اثر مراسلة رئاسة الجمهورية وطلب تحديد جلسة لمنح الثقة للحكومة.
وضع تجيب عنه استاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، بتأكيدها على ان الدستور لا يجيب عن هذا الاشكال بشكل صريح، ولا النظام الداخلي لمجلس النواب، فكليهما لم يتطرقا الى تسلسل تشكيل الحكومة وفي اية مرحلة يمكن القول ان الحكومة شكّلت.
هذا الصمت يحيل الى الفصول الـ142 والـ143 من النظام الداخلي للمجلس، وفق الاستاذة سلسبيل القليبي، فالفصل الاول يحدد مجال تدخل مكتب المجلس بضبط وتحديد موعد جلسة منح الثقة للحكومة، ولا يمنحه سلطة او اختصاص النظر في تركيبة الحكومة وتعديلها. فهي سلطة موكولة للجلسة العامة.
الفصل الاخر ينص على ان مكتب المجلس يوفر ملفات تضم ملخصا لبرنامج الحكومة وقائمة اعضائها لكل نائب قبل موعد عقد الجلسة العامة دون ان يضبط اجالا بعينها، فصلان تستند اليهما سلسبيل القليبي لتقدم قراءتها للمعضلة الدستورية، وهي انه لا يجوز ادراج اي تعديل على الفريق الحكومي اثر تسليم ملف الحكومة للنواب.
هذا يعنى ان الفريق الحكومي يصبح غير قابل للتعديل والتنقيح ما ان تصل قائمة اعضائه الى نواب المجلس. اما قبل ذلك فلا يوجد ما يمنع رئيس الحكومة المكلف من تعديل قائمته المقترحة، ولكن هذا بدوره يحيل الى اشكال دستوري اخر وهو رسالة الرئيس التي تضم القائمة المقترحة.
هنا تشير استاذة القانون الدستوري الى ان الفراغ في النص يمكن رئيس الحكومة المكلف من تعديل قائمته دون العودة لرئيس الجمهورية الا إذا شمل هذا التعديل حقائب وزارية يتوجب على رئيس الحكومة المكلف ان يتشاور فيها مع رئيس الجمهورية.
معضلة دستورية يمكن تجاوزها نظرا لصمت النص عن التطرق اليها او تحديد متى يمنع تعديل قائمة اعضاء الحكومة المقترحة، لكن إذا وقع تجاوز هذا الاشكال فان إشكالا اخر سيطل برأسه وهو اشد وانكى من سابقه.
«ورطة» سياسية تتعلق بكيفية اقناع رئيس الحكومة المكلف بتعديل قائمته وهو الذي رفض بشكل قاطع وتمسك بفريقه الى ان ينال الثقة، وإذا اقتنع ورضخ للضغط المسلط عليه فكيف سيسوق لهذا التعديل دون استمرار التهافت والسقطات السياسية، واي معنى للحديث عن حكومة مستقلين إذا كان لحزبين هما حركة النهضة وقلب تونس القدرة على مراجعة تركيبتها وتعديلها.
لاحقا ستصبح الورطة اشد بالنسبة للحزبين اللذين أنفقا وقتا في نفي اي تحالف او تقارب بينهما فتقاطعا في الكثير من النقاط، دعم حكومة الكفاءات، والمطالبة بتعديل القائمة المقترحة، واخيرا التوافق في مكتب المجلس على ترحيل جلسة منح الثقة الى الـ10 من الشهر الجاري.
ولان الورطة لا تكون مثالية دون فروع وتمدد لها، كيف سيكون موقف رئيس الجمهورية من احتمال تعديل قائمة الحكومة المقترحة دون العودة اليه او بالعودة اليه؟ انها الورطة التي انساقت اليها اقدام النهضة ومعها الحكومة.