رئاسة الجمهورية والملف الليبي والصمت عن السؤال الرئيسي: أي موقف من التدخل العسكري التركي المحتمل ؟

لم تجد رئاسة الجمهورية ردا على السؤال الموجه اليها عن «الموقف التونسي من التدخل العسكري الاجنبي في ليبيا؟»

غير القاء اللائمة على الجميع وإشاحة وجهها عن الإشكال الرئيسي.

في الـ 27 من نوفمبر الماضي، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، تتعلقان بتحديد الحدود البحرية بين البلدين، وهو ما تستند اليه الدبلوماسية التونسية الراهنة لتبرر غياب موقفها على الرغم من ادراك الجميع بأن الاتفاقية تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري بين ليبيا وتركيا.

تعاون عسكري تحدث عنه الرئيس التركي طيب رجب اردوغان من قصر قرطاج يوم الاربعاء الفارط وعلى يساره رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد الذي لم يصدر عنه اي موقف من الاشارة الصريحة للرئيس التركي بان بلاده مستعدة لإرسال عساكرها الى ليبيا إذا طلبت منها حكومة فايز السراج ذلك.

تصريحات الرئيس التركي لم تقف عن هذا الحد بل أنه المح في كلماته بأن تونس لا تعارض هذا التواجد الذي لا يستهدفها بل يستهدف قوات اجنبية في ليبيا، مسوقا زيارته ولقاءه برئيس الجمهورية على انها موافقة على التدخل الاجنبي المرتقب في ليبيا.

تدخل طالب به وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا يوم امس هو الاخر من تونس، وإعتبر أنه يمكن بناء «حلف ليبي تونسي جزائري تركي سوداني، مرشح لان يكون «حلفا ذا قوة إقتصادية في المنطقة».

كل هذه التطورات والاشارات الصريحة الى قرب تواجد قوات اجنبية على الاراضي الليبية لم يدفع الدولة التونسية الى اتخاذ موقف، فالدبلوماسية التونسية لازالت تتعامل مع الوضع على انه اتفاق ثنائي بين بلدين بشأن حدود بحرية لا شأن لها به ولا يمكنها التدخل فيه.

هكذا تبرر الدبلوماسية صمتها عما يجد في الحدود الشرقية التونسية، بل أنها ذهبت ابعد من ذلك حينما صمت رئيسها وهو رئيس مجلس الامن القومي ورئيس الدولة قيس سعيد عن اعلان رفض تونس لاي تواجد عسكري -ايا كان شكله- في ليبيا وإدانته، بل وقف صامتا ونظيره التركي يعلن الامر.

صمت تلقفته الدول والقوى الاقليمية على انه توافق تونسي تركي في الملف الليبي وهذا يعنى ان البلاد قد تواجه ازمات قادمة سواء أكان الماسكون بدبلوماستها مدركين لما قاموا به ام لا. ادراك غير اكيد انه مكتسب، خاصة لمن نظر الى البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية ، الذي جاء نصه الحرفي كـالتالي :
«تؤكد رئاسة الجمهورية أنّ تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها. أمّا التصريحات والتأويلات والادعاءات الزائفة التي تتلاحق منذ يوم أمس فهي إمّا أنّها تصدر عن سوء فهم وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من نفس المصادر التي دأبت على الافتراء والتشويه. وإذا كان صدر موقفٌ عَكَسَ هذا من تونس أو من خارجها فهو لا يُلْزمُ إلّا من صرّح به وحدهُ.

إنّ رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحريّة قرارها، وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش، ولا توجد ولن توجد أيّ نيّة للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف.

وعلى من يريد التشويه والكذب أن يعلم أنّه لا يمكن أن يُلهي الشعب التونسي بمثل هذه الادعاءات لصرف نظره عن قضاياه الحقيقية ومعاناته كلّ يوم في المجالين الاقتصادي والاجتماعي على وجه الخصوص.».

هذا البيان كشف عن ان رئاسة الجمهورية لم تستوعب بعد حجم الاحراج الذي اوقعها فيه الرئيس التركي ولم تدرك بعد أي خطإ دبلوماسي وقعت فيه، فهي ودون وعي سمحت لرئيس دولة اجنبية بالاعلان من اراضيها عن توجهه لارسال قوات عسكرية لدولة اخرى، وهذا يعتبر قبولا ضمنيا بهذا التوجه وهذا ادنى درجة اما المعنى الفعلي فهو تحالف او تنسيق.

فان يعلن رئيس اجنبي من قصر قرطاج انه سيرسل قواته العسكرية الى بلد مجاور، في الاعراف الدبلوماسية فان الامر يفسر على ان الرئيسين ناقشا الامر واتفقا عليه وسمح باعلانه من دولة الضيافة، خاصة وان الرئيس التونسي لم يقاطع نظيره او يعرب عن موقف معاكس.

هذا أولا، اما ثانيا فان الرئاسة وبعد موجة الانتقادات الشديدة التي وجهت اليها على موقفها الباهت مما حدث لم تجد غير اصدار بيان تتنصل فيه من المسؤولية وتلقي بها على الاخر المتأمر المتصيد في الماء العكر بل اعتبرت ان البعض يريد الهاء الشعب التونسي عن مشاكله الحقيقية لكي تعالج الامر بصب الزيت على النار، اذ ان رئاسة الجمهورية التي يمنحها الدستور صلاحية ضبط وتحديد السياسات الخارجية ومسك ملف الامن القومي، كشفت انها لا تمتلك أي فهم لهذين الملفين وان الفريق المحيط برئيس الدولة تعوزه الخبرة في هذا الصدد.

خبرة لو توفرت لما وقع الخطأ من اساسه، ولو توفرت بقدر معقول لتمت معالجة الخطإ ساعة وقوعه ولو كانت بحدها الادنى لما وقع صب الزيت على النار، بالقاء اللائمة على الجميع والتنصل منها بخطاب اعلامي يتحدث عن مؤامرة عوضا عن الاجابة عن السؤال الاساسي.

والسؤال ما هو الموقف التونسي من التدخل العسكري الاجنبي في ليبيا أيا كانت هوية القوات؟ واي استراتيجية دبلوماسية ستتبعها تونس التي سوقت يوم الاربعاء الفارط على انها تبيع مواقفها بقليل من العقود والاتفاقات التجارية؟.

هذا ما كان يجب ان تجيب عنه رئاسة الجمهورية لا ان تتهم الاحزاب والاعلام بانه يريد التامر ضدها، فالامر اليوم لم يعد مجال نقاش داخلي، فالقوى الدولية والإقليمية قيمت الزيارة وتعاملت معها وفق ما تعنيه في الاعراف الدبلوماسية لا ما تكنه «نوايا» الرئاسة التونسية التي تتخبط في فهم معنى «السيادة الوطنية».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115