الرجل ومن ورائه حركة النهضة عن حشد السند لحكومة يشكك جل من في البرلمان في استقلالية أفرادها والتي تضعها بعض الكتل شرطا اساسيا لمنحها الثقة.
قبل ساعات من إعلان رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي عن توجهه لتكوين حكومة من الكفاءات المستقلة كانت كواليس حركة النهضة تنقل الفكرة وتناقشها لا بصفتها مبادرة الرجل بل بصفتها مبادرتها للخروج من الازمة التي احدثها انسحاب التيار والشعب وتحيا تونس من المشاورات.
ازمة وجدت النهضة -نفسها- تبحث عن الاستفادة منها، وفي السياسة لا ازمات دون فوائد، وأفضل صيغة للاستفادة كانت طرح مبادرة تشكيل حكومة كفاءات، ليست نهضاوية ولا متحزبة وهذا يوفر امكانيات هامة للتسويق لها سواء في البرلمان او في الشارع التونسي والاهم القدرة على إحراج الخصوم خاصة ممن كانوا على مشارف المشاركة في الحكم وانسحبوا.
مبادرة فضلت النهضة ان تاتي على لسان الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف لتكون لها مصداقية، وهذا ما فعلته ليعلن الجملي عن مبادرته مساء الاثنين الفارط تاركا القوم يبحثون عن تفكيك مبادرته وما المراد منها قبل اخذ موقف رسمي.
فترة لم تطل ليطل حزب قلب تونس الثلاثاء الفارط ويعلن انه سيمنح الحكومة ثقته إذا كانت بالفعل من الكفاءات المستقلة، وهذا الخطاب على المستوى الرسمي والعلني اما حول ما يجد يجد في كواليس في الحزب فقد سارع الى احياء مشاوراته التي لم تتعطل مع النهضة وإحياء الاسماء التي اقترحها لتكون في حكومة الجملي.
تحرك سريع بحث من خلاله قلب تونس دون ان يكون في الصورة بشكل مباشر ورفض ان يتواجد -وان بشكل مخفف- في حكومة كفاءات الجملي المستقلة ليدعمها لاحقا في البرلمان ويمنحها 38 صوتا بنعم، وهو حجم كتلته، ويسوق للأمر على انه انتصار لتونس وهو طرح الحزب الذي دعا الجميع اليه منذ البداية وهو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة.
موقف قلب تونس وما تسرب من الكواليس جعل خصوم النهضة ومن انسحب من المشاورات يجد مروية لتسويق وشرح ما يحدث، وهي ان النهضة تتحجج بانسحابها لتبرر تحالفها مع قلب تونس، وهو التحالف المرغوب فيه منذ البداية. وما حكومة المستقلين الا إخراج للتحالف.
موقف ضغط على النهضة التي وجدت كتلا اعتبرتها مضمونة تعلن عن التململ وتلوح بالتصويت بلا على حكومة الجملي وأولى هذه الكتل كتلة ائتلاف الكرامة التي شدد رئيسها سيف الدين مخلوف على أن أعضاءها «لا يؤمنون بالمستقلّين» فمن وجهة نظره «الجميع لهم توجهات وموقف سياسي، لا وجود لمستقلين بالمعنى المطلق».
سيف الدين مخلوف لم يكتف بالإعلان عن تشكيكه في استقلالية حكومة الجملي بل اعتبر ان الاخير وجد الأعذار والحجج لتبرير مبادرته المتمثلة في حكومة مستقلين، حكومة اعتبر ان كتلته غير مستعدة لتقامر بالتصويت لها دون تدقيق، حيث اشار مخلوف الى ان خيار الجملي والنهضة يراد به دفع كتلته لتصوت لأناس لا يعرفونهم وهذا وفق تقيمه «قمار» ومن المرجح ان كتلته لن تقع فيه.
موقف لا يعني ان كتلة ائتلاف الكرامة ترفض منح الثقة لحكومة الجملي المستقلة، بل هي تؤسس لشروط موضوعية تريد من خلالها اخراج مسألة تقاطعها مع قلب تونس في التصويت لذات الحكومة بانه لقاء موضوعي ظرفي وليس تحالفا او عملا مشتركا، فالكتلة وجدت حكومة مستقلة لا تضم اي شخصيات قريبة من قلب تونس او غيرها من الحساسيات الاخرى ومنحها الثقة امر طبيعي.
هذا الاخراج الذي ذهبت اليه كتلة ائتلاف الكرامة جاء بالتزامن مع اعلان النهضة على لسان رئيس مكتبها السياسي نور الدين العرباوي على ان حركته لا تعترض على حكومة كفاءات مستقلة بل تساندها لكن مع ضرورة تطعيمها بكفاءات نهضاوية. اذ يرى نور الدين العرباوي أن النهضة ترى وجوبا أن يكون لها وزراؤها في الحكومة القادمة باعتبار أنها الحزب الفائز في الإنتخابات، كما ان البلاد في وضع طبيعي وليست في وضع ازمة يفرض حكومة مستقلين، وهذا يعنى ضرورة ان يكون للنهضة وجود في الحكومة، غير ان الامر بيد الجملي الذي كلفته النهضة وبالتالي بينهما عقد اخلاقي يدفع الرجل لاحترام رغباتها.
رغبات تدرك النهضة انها ليست الا للتسويق السياسي وفرض سقف جديد على الاطراف المراد التوجه اليها لإقناعها بالتصويت لصالح الحكومة، وهم بالاساس ائتلاف الكرامة وكتل تقنية وغير منتمين، هؤلاء تريد النهضة ان تضمن من بينهم اكثر من ثلاثين نائبا لضمان مرور الحكومة في البرلمان.
30 نائبا هم ما تحتاجه النهضة التي تعتبر انها وفرت اليوم حزاما برلماني بـ92 نائبا، كتلتها وكتلة قلب تونس، وهي تعمل على ان تجد لها داعمين اخرين مهما كان مصدرهم وهذا ما عبرت عنه بدعوة نواب في البرلمان للتمرد على موقف احزابهم والتصويت لحكومة الجملي.