مقر ولاية تطاوين، الجمعة الاتحاد الجهوي بتطاوين يعلن عن اضراب عام في قطاع النفط، وتعليق انتاجه طوال شهر جانفي، ويربط بين جميع هذه الأحداث خيط «الشعب يريد».
مئات الهواتف الذكية استعملت يوم الاربعاء الفارط لتوثيق لحظات اقتحام مقر ولاية تطاوين، ونقل الحدث مباشرة على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» ، في مشهدية كشفت كيف ان كلمات رئيس الجمهورية قبل ساعات قليلة أوّلت على انها دعوة للشعب ليمارس سلطته بشكل مباشر وصريح.
فتحت شعار «الشعب يريد وهو يعرف ماذا يريد» أُطرد والي تطاوين واقتحم مقر الولاية تحت شعارات «هدّوا يا رجال» و«ديغاج» وصيحات استهجان وهتافات من قبيل «اوه يا والي بابورك زفر» انتشر المحتجون في كامل المقر الرئيسي للولاية معلنين انهم لن يغادروه حتى تتحقق مطالبهم. والسبب المباشر دفع السلطة الجهوية الى تحقيق تعهداتها في اتفاق الكامور ليعلن لاحقا المتحدث باسم المحتجين انهم استجابوا لكلمات الرئيس، الذي قال «الشعب يريد» والشعب اجابه بأنه «جاهز» وان طلب الشعب اليوم هو اقالة الوالي وانهم يريدون وضع الثورة في مسارها الصحيح ويدون الفوز وانتصار «دولتهم» التي تحدث عنها الرئيس وقال ان البعض في غرف مغلقة يتآمرون عليها.
لاحقا انتقل الاحتجاج الى اعتصام زاره وفد من المجتمع المدني من منظمات ونقابات واحزاب. بعضهم ذهب الى ابعد مما ذهب اليه المعتصمون وهو ان من ليس معهم هو «ضد تطاوين» وان الولاية يجب ان تمثل في حكومة الجملي القادمة ليستمر الاجتماع الذي حضره بعض من نواب الجهة في مجلس النواب في تصدير خطاب تصعيدي.
خطاب انقلب يوم الجمعة الفارط الى فعل باعلان الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين عن الاضراب العام في قطاع النفط والخدمات المتصلة به، بل والإعلان عن وقف الانتاج خلال شهر جانفي القادم مساندة لمطالب المحتجين وضغطا على السلطة لتحقيقها ، ومن المطالب التي رفعت اقالة الوالي.
هنا بعيدا عن تقييم ما حدث ويحدث منذ يوم الاربعاء الفارط في تطاوين ومشروعية ما يحدث واتخاذ موقف مساند او مناهض، تنكشف سوداوية الوضع الذي نتجه اليه بتنامي موجة القصواوية/ الرديكالية سواء لدى الشارع او لدى جزء من نخبه السياسية التي تتبنى خطابا يساير مزاج الشارع ولا يقوده . حتى وان انفلتت العقال وباتت الموجة تهددنا جميعا.
موجة يريد اهلها اعادة تشكيل الفضاء العام وفق ثنائية ابيض واسود، الخير والشر، فاما ان تكون في صف الشعب المضطهد ضدّ نخبة تمسك بالدولة ودواليبها او تكون من اعدائه وناهبي خيراته التي تكفي لتصبح تونس كباقي الدول النفطية والغنية. ثنائية انجرت اليها منظمة كالاتحاد العام التونسي للشغل في تطاوين.
هنا يزداد الوضع قتامة فنحن امام سيرورة ان استمرت ستقسم التونسيين ومنظماتهم وأحزابهم الى فريقين يؤمن احدهما بان الشعب مضطهد من دولة تمسك بها نخبة فاسدة متآمرة في غرف مظلمة ، مروية يجد اصحابها سندا لهم لإثباتها في كلمات رئيس الدولة واليوم في موقف ابرز منظمة اجتماعية وهي الاتحاد وغدا من يعلم أي جهة ستعيد ترويج هذا الخطاب او تشرع لتفتيت الدولة تهرئة كيانها ومنافستها على سلطتها التي حددت بعقد اجتماعي.
هذا الخطر يدركه جل اللاعبين الرئيسيين في المشهد حتى وان هيمن على بعضهم تصور بأن الدفع بالإرادة الشعبية، وهي هنا واحدة متجانسة متناغمة لا يشقها تباين أواختلاف، إقصاؤها سيؤدى لإعادة تشكيل الدولة والسلطة لتحقيق مبدأ سيادة الشعب المباشرة وهذا سيحقق منافع لهم وان كانت فقط تحقيق «حلم» او تطبيق مبدإ او فكرة «مثالية» .
مقابل الدفع يحبذ بعض اللاعبين في المشهد مسايرة الاحداث لاحتوائها لاحقا او توجيهها الى مصالحهم او مصالح جماعتهم، هؤلاء يرفع بعضهم ما بلغه عن الخليفة الاموي معاوية بن أبي سفيان من حكمة «الشعرة» وكيف يجب مهادنة الشارع إذا غضب لا مواجهته لتحقيق المصلحة.
هؤلاء فسروا حكمة الشعرة كل كما ترتضيه نفسه وتشتهي دون ان يذهب الى ما اراده الرجل القائل « إني لا أضع لساني حيث يكفيني مالي ، ولا أضع سَوْطي حيث يكفيني لساني ، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سَوْطي، فإذا لم أجد من السيف بُدّاً ركبتُهُ . ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. كانوا إذا مدّوها أرخيتها ، وإذا أرخوها مددتها».