مذكرتا التفاهم التركية الليبية: الدبلوماسية التونسية.... كيف سيبرر الصمت؟

يقال ان السياسة فن الممكن و بالأساس فن استباق الأحداث . ويبدو اننا في تونس لا نلتزم بهذا على اي صعيد سواء أتعلق بالشأن الوطني

او بسياستنا الخارجية، فرغم مضي اكثر من نصف شهر على إبرام مذكرة تفاهم بين تركيا وليبيا ورغم كل التداعيات والتصريحات، تدير الديبلوماسية التونسية وجهها عن الملف وكأنه لا يعنيها من قريب.

في الـ 27 من نوفمبر الماضي، وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مذكرتي تفاهم مع فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحرية. توقيع لم يمر دون ان تكون له تداعيات في الحوض الشرقي للمتوسط.

فقد انتفضت مصر واليونان وقبرص اليونانية، ضد هذه المذكرة التي قال عنها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، انها لا تستهدف دول الجوار، ولكنه حينما تحدث عن المتوسط في لقاء له مع محرري وكالة الاناضول اعلمهم بأنه «على الجميع أن يدركوا استحالة أي حل في المتوسط وجزيرة قبرص دون وجود تركيا».

هذه الكلمات كانت كافية لتتحرك دول المتوسط لحماية مصالحها من التمدد التركي، لكن تونس غير معنية بالأمر، وفق تصريح كاتب الدولة المكلف بالشؤون الخارجية صبري بش طبجي لوكالة «سبونتيك» الروسية. غير معنية لأنه لا حدود بينها وبين تركيا وحدودها البحرية مع ليبيا ضبطت باتفاقية منذ 30 سنة وفق قوله.

هنا ينتهى الموقف التونسي من ازمة ستلقي بظلالها على البحر المتوسط على الصعيد الآني الحدثي وفي المستقبل المنظور، فالاتفاقيات المبرمة بين البلدين، لا تتعلق فقط بالمجال البحري بين ليبيا وتركيا بل تشمل التعاون الأمني وهو ما دفع بالرئيس التركي طيب رجب اردوغان الى القول بأن بلاده مستعدة لإرسال قوة عسكرية الى ليبيا إذا طلبت الحكومة الليبية ذلك.

حكومة كان رئيسها فايز السراج في تونس منذ ايام معدودات والتقى برئيس الجمهورية قيس سعيد لساعات تحدثا فيها عن كل شيء الا عن مذكرتي التفاهم وتداعياتهما المحتملة على تونس وعلى أمنها.غياب التطرق للملف في اللقاء بين الرجلين وغياب موقف واضح من المذكرتين بين البلدين، يكشفان عن ان تونس لم تصغ موقفا مما يحدث.

غياب الموقف رغم تلميح دولة اجنبية وهي تركيا بارسال قواتها العسكرية الى دولة مجاورة هي ليبيا تعيش منذ اشهر على وقع صراع على السلطة بين معسكرين ، ليس بالامر الهين القابل لاختلاف المواقف او غيابها، فتونس معنية بشكل مباشر بهذه التطورات وستتضرر منها بشكل مباشر.

فمذكرتا التفاهم التركية الليبية ستعنيان تأبيد الازمة الليبية اكثر و التلميح الى ارسال قوات تركية لدعم حكومة السراج لفرض الامن وحماية المصالح، اول بداية لتأبيد الازمة الليبية، واستمرار الازمة الليبية يدرك الكل تكلفتها على الدولة التونسية.

تكلفة قد تتضاعف بالتطور الحاصل بين حكومة السراج وتركيا التي تنتظر فقط دعوة السراج اليها لترسل قواتها العسكرية الى الغرب الليبي، طرابلس وما جاورها، اي عند الحدود الشرقية التونسية. اي اننا امام رغبة تركية بالانتشار العسكري عند حدودنا وفي الضفة الجنوبية للمتوسط، تقابلها رغبة حكومة فايز السراج في الدعم التركي باي ثمن.

هنا يبرز حجم الصمت واللاّ موقف من قبل الخارجية التونسية ورئاسة الجمهورية عما حدث وسيحدث، ففي ظل خطر محتمل على الامن التونسي وعلى المصالح السيادية تقف الدولة بكل مؤسساتها بصمت تراقب مرور الازمة على خير، فإذا مرت هذه الأزمة لن تجد تونس نفسها في حرج مع حلفائها الاتراك.

لكن إذا لم تمر على خير، وهي لن تمر، وهنا لا نتحدث عن الجانب الامني او العسكري فقط، بل عن المصالح الاقتصادية وعن قدرة الدولة التونسية على حماية مصالحها سواء في التراب التونسي او خارجه من خطر داهم او متوقع. السؤال كيف سيبرر الصمت؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115