بعد مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي: ثلاثة فرضيات لمستقبل الجماعات الارهابية

منذ أكثر من 48 ساعة أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقتل زعيم تنظيم الدولة الإرهابي أبو بكر البغدادي، وبذلك

تنطلق مرحلة جديدة في تاريخ الجماعات الإرهابية في ظل فرضيات متعددة تحذر من خطر المرحلة القادمة.

يلتقي الميثولوجي والبيولوجي في اعتماد اسم «هيدرا»، لتمثل «الوحش» بالنسبة للأولى و كائن لافقاري بالنسبة للثانية، لهما نفس الخاصية وهي القدرة على التجدد، ففي الأسطورة الإغريقية هيدرا هو وحش كلما قطع له رأس ينبت مكانه رأسان، وفي علم الإحياء/ بيولوجي هيدرا هي كائن لا فقاري قادر على التجدد بل انه إذ قطع لعدة أجزاء ينمو كل جزء إلى فرد مستقل.

هذه الخاصية يبدو أن الدارسين للجماعات الإرهابية يدركون توفرها لديها، ففي تاريخ هذه الجماعات، كلما تم القضاء على أحداها حل محلها تنظيم بل وتنظيمات جديدة، هذه الخاصية يبدو أننا سنختبرها مرة أخرى بعد خبر مقتل زعيم تنظيم الدولة الإرهابي، أبو بكر البغدادي منذ يومين.

خبر ملأ الشاشات وشغل قادة الدول، ليس فقط لأهمية مقتل الرجل في ظل المواجهة المفتوحة مع تنظيمه بل للخطر الذي سيلي مقتله، وقد تصاعدت حدة التأهب في أكثر من دولة مخافة رد فعل المنتسبين للتنظيم الإرهابي .

خوف له ما يبرره، لكنه ليس هو الخطر الرئيسي، ففي ظل ما سجل في التاريخ القريب قبل اقل من 8 سنوات، يبدو ان الخطر في المرحلة القادمة لا يقف عند عمليات انتقامية او ردود فعل، بل في وجود إمكانية لبروز تنظيم او تنظيمات ارهابية اشد تطرفا من «داعش»، خاصة وان التنظيم شهد تطورات عدة سبقت مقتل زعيمه.
تطورات دفعت بالكثير من الأسئلة الى الواجهة، ما مستقبل هذا التنظيم وما هي الاستراتيجيات و الآليات القتالية التي سيعتمدها بعد خسارته لقائده و دولته؟ هل سيبرز تنظيم جديد من رحم «داعش» ليحل محلها في تزعم الجهاد العالمي وغيرها من الأسئلة التي تظل الإجابات عنها مجرد فرضيات.

فرضيات ممكنة لمستقبل هذا التنظيم تنطلق جلها من طبيعة ركائز الفكر الجاهدي ومن طبيعية الهيكلية التنظيمة الخاصة بداعش مقارنة بالتنظيمات الأخرى وطبيعة العناصر المنتمية إليه. فتنظيم داعش نظر اليه على انه يشكل ذروة تطور الجماعات «الجهادية/الإرهابية» العالمية. يبدو انه سيكون ضحية «نقطة قوته» وهي بنيته الهيكلية الصارمة التي لا تمنح أتباعه أي مجال لأخذ قرارات. لذلك فان قتل البغدادي سيحدث اضطرابا في صفوف التنظيم الى حين اختيار قيادة جديدة.

فالتنظيم الذي كشفت وثائقه انه ضم في صفوفه قرابة 43 ألف مقاتل من 120 دولة، بات مهددا بثلاثة سيناريوهات كلها تنطلق من تفككه، الأول وهو الاستمرار كجماعة صغيرة من مواطني دول الشرق الأوسط تضم في تركيبتها من استمر ولاؤهم للتنظيم، والذين يفضلون البقاء في سوريا والعراق، والعمل على إعادة تنظيم صفوفهم وتأسيس التنظيم في غضون 6 اشهر او سنة، في محاولة لتكرار تجربة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين منذ 2003 مع مقتل كل زعيم له، حتى بروز داعش من رحمه.

الفرضية الثانية وهي متصلة بالاولى تتعلق بـ«الاجانب» الذين سيمثل مقتل البغدادي فرصة لهم لتنحل بيعتهم للتنظيم وهو ما يعنى انهم قد يتجهون للبحث عن تنظيم مهيكل قوي في أي منطقة توتر وينضمون إليه، او العودة الى تنظيم القاعدة الام وطي صفحة الخلاف الذي بلغ مرحلة الخلاف العقائدي.

هذه المجموعة قد لا تقف عند هذا الخيار بل قد تتجه لتشكيل تنظيمها الخاص، وهنا تبرز حقيقة الاختلافات العرقية التي قد تعني تفتت التنظيم الى تنظيمات صغيرة، كما تنبئ بخطر عودة أتباع «داعش» إلى دولهم الأصلية وتشكيل جماعات صغيرة او القيام بأعمال فردية، وهذا الخطر يهدد بالاساس الدول الاوروبية التي باتت متأهبة لعودة مواطنيها إلى دولهم.

الفرضيات الثلاثة لشكل التنظيمي الممكن لتنظيم داعش او من يحل محله، كانت حاضرة منذ ان خسر التنظيم آخر معاقله في قرية باغوز شرق سوريا في مارس 2019، الحدث الذي اعتبر يومها الإعلان الرسمي عن نهاية «دولة الخلافة» التي أعلنها البغدادي عام 2014.

ما قد لا يبرز بشكل واضح في الفرضيات الثلاث مصير افراد التنظيم المنتشرين حول العالم، والخطر العاجل والآجل، هؤلاء ستكون خياراتهم محدودة في الخيارات الثلاثة السابقة، لكنها ستتقلص الى اثنين اما الالتحاق بما تبقى من التنظيم خارج الشرق الاوسط او اختيار تجربة جديدة، سواء تشكيل تنظيم جديد او الالتحاق باخر موجود.

خيار هؤلاء سيحدد مستقبل الجماعات الإرهابية/الجهادية، في إمكانيات ثلاثة، الأولى عودة هيمنة القاعدة على ساحة الجهاد العالمي، وهذا يعنى عودة لقراءاتها وأدبياتها وما يعنى ذلك من استراتيجيات، الامكانية الثانية، هي اختيار البقاء في تنظيم داعش لكن بالالتحاق بأحد افرع التنظيم المهيكلة، على غرار فرغ التنظيم بغرب إفريقيا، الذي سبق له وان وجه دعوة للهجرة اليه، هذه الدعوة لم يقع الاستجابة لها لكن باتت لها حظوظ اليوم وان مازالت ضعيفة. في ظل تواجد افرع اخرى للتنظيم في اكثر من منطقة في افريقيا خاصة في منطقة الساحل والصحراء التي قد تحل أراضيها محل الشرق الاوسط.

الخيارات المتعلقة بفروع التنظيم في العالم، وهي عديدة تشمل دول أسيوية وافريقية بالأساس، لن تكون ذات خطر حقيقي كالذي مثله التنظيم الام والسبب يتعلق بالموارد المالية التي ستشح عن هذه الفروع مما سيتسبب في تقلص حجمها وتأثيرها الذي نشأ وظل محدود.

تقلص ان لم تستفد منه القاعدة سيكون بمثابة المخاض لبروز تنظيم جديد، هذا التنظيم لا احد يعلم هيكلته او تمثله، فقط بعض رؤؤس الأقلام التي تنبئ بالأسوإ، وهو بروز قوة جديدة قد يكون مركزها القارة الافريقية تضم فلول تنظيم داعش وخاصة المتشددين منه ممن يعتبرون ان زوال التنظيم سببه «تساهله» في عدة نقاط.

هؤلاء الذين خبروا الشكل التنظيمي لداعش الصارم سيؤسسون تنظيما على اقصى يمين داعش نفسها، وسيعتمدون على استراتيجات تصحح ما يرونه خطأ في اسراتيجية داعش على مستوى الانتشار والتنظم، أي اننا امام احتمالات لا تحصى لشكل التنظيم/الجماعات التي ستبرز من رحم داعش.

ففي 2011 ظن العالم ان مقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن سيكون بمثابة الضربة القاصمة للقاعدة ولكل التنظيمات المرتبطة بها، لكن هذه الضربة ولدت داعش، واليوم مقتل البغدادي سيكون فاتحة لموجة جديدة من الجماعات «الإرهابية/الجهادية».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115