كثيرة هي الأسئلة المتعلقة بالمترشح قيس سعيد متصدر الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، والإجابات عنها كانت كما الرجل أمام بصر الجميع لكن لا احد أبصرها. خاصة حركة النهضة التي تعمل اليوم من اجل ان تلتحق بصف سعيد أو بالأحرى بصف «الثورة» كما تصفه، لكن الي اي حد قد تذهب الحركة في ذلك وهل تقبل بتطبيق تصور سعيد؟
خلال حملته الانتخابية لم يعلن قيس سعيد المترشح المار الى الدور الثاني من الرئاسيات، عن شيء جديد لم يقله من قبل، فالرجل الذي امضي حوالي سبع سنوات ينتقل ويناقش اعاد تقديم تصوره وبرنامجه الذي عبر عنه في حملته بكلمات مقتضبة، وهي «توفير أدوات قانونية للشعب لتعود إليه السلطة».
أدوات يشرحها سعيد الذي تقاطعت قراءته مع قراءة جزء من اليسار التونسي الذي رافقه في مغامرة تغيير المشهد السياسي التونسي برمته وصناعة تاريخ ممكن لتونس أخرى، يقوم على الديمقراطية المباشرة /التشاركية التي يقدمها سعيد في برنامجه في صورة انتخابات من القاعدة الى القمة، اي من المحليات الى الوطني.
هذه الاليات القانونية التي قدمها سعيد تهدف الي تحقيق غايات سبق له ان شرحها ايضا لدى حديثه عن عملية البناء السياسي والإداري لتونس على أسس جديدة تمنح الناخب سلطة عزل المنتخب سواء أكان نائبا محليا او جهويا او وطنيا، كما يقوم تصوره على نظام الاقتراع على الافراد ولا على القائمات وتفاصيل اخرى تهدف لتنزيل تصوره المتعلق بالديمقراطية المباشرة التي تهدف الي ان يكون الحكم للشعب.
حكم الشعب للشعب الذي يطمح اليه سعيد وكل من انتصر له وانضم الى مشروعه منذ أكثر من سبع سنوات، يلتقي فيه الرجل مع تصور لجزء من اليسار التونسي، عبر عن تواجده في فريق سعيد في شخص مدير حملته «رضا لنين» الذي يعتبر ان العالم يمر بمرحلة تغيير كلية وان القوانين والقواعد القديمة لم تعد نافعة لفهمه.
تصور سعيد وفريقه الذي يراه البعض طوباوي ورومنسي، يبدو انه نجح في ان يكون عنصر فرز بين التيارات السياسية التونسية، سواء التي تسميه بالشعبوي والغامض او من ينتصر اليه باعتباره عودة «لقوى الثورة»، في الحالتين الرجل خلق ديناميكية جديدة ستحدد بشكل او باخر السنوات الخمس القادمة، خاصة اذا تمكن من الفوز.
سعيد الذي صنفته الحركة علي انه من قوى الثورة وفق قول رئيسها راشد الغنوشي، سيضع ذات الحركة في موقف محرج في البرلمان إذا فاز في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، فالرجل الذي تعهد بتقديم مبادرة تشريعية لتنزيل تصوره، سيكون في حاجة الي كتلة برلمانية في المجلس للضغط من اجل تحقيق هذا التصور.
كتلة يبدو انه سيتمكن من توفيرها نظريا، فعدد من القائمات المستقلة او الائتلافية لم تتاخر في الاعلان عن دعمها للرجل ولتصوره بل تعهدت بانها ستنزل تصوراته على ارض الواقع اذا نجحت في التشريعية، وعد لا تكمن اهميته في اسم الجهة الصادر عنها بل اطلاقه لمسار الدعم والفرز.
مسار قد تجد النهضة نفسها مجبرة على ان تعلن موقفها منه، اذ لن يكون كافيا لها ان تعلن انها في صف قوى الثورة دون ان تقدم موقفها مما يطرحه سعيد من مشروع سياسي يعيد تشكيل الخارطة السياسية التونسية برمتها ويعد معها ان نجح في تاسيس الدولة التونسية.
تصور ستجد النهضة نفسها اليوم او غدا في البرلمان مطالبة بان تكشف موقفها، فهي قد ورطت نفسها حينما اطل رئيسها ألمح الى دعمه لسعيد باعتباره من قوى الثورة، هذه القوي التي يبدو ان النهضة ترغب في ان تكون قاطرتها، بعد العودة لركابها.
عودة تريد منها النجاة من تداعيات الموجة الجديدة، التي يبدو انها ستصل بعد من النواب الى البرلمان يتقاسمون تصور سعيد في ضرورة اعادة التاسيس وافراز نخب سياسية جديدة من خارج المنظومة القديمة واعادة السلطة الي الجهات والمهمشين كما تصفها في ادبياتها .
حدث ان تحقق ستكون النهضة حاسمة فيه سواء بالاصطفاف خلفه او معارضته، وهنا ستكون النهضة في حيرة فهي اما ان تدفع ثمن العودة للتيار الثوري او ان تختار المواصلة في سياسية التوافق وهذا له ثمن على الحركة مهما كان الخيار، فالانقسام صلبها الذي استمر منذ المؤتمر العاشر لا يمكنه ان يستمر دون حسم، خاصة بعد النتائج التي حققها سعيد الي غاية الان.